والثاني : أي : أنكروا رسالته في حال حياته ولم يؤمنوا به ، فإذا هلك أنكروا أن يكون هو مبعوثا إليهم رسولا ، فيحذر هؤلاء صنيع أولئك ألا يكونوا كأولئك آمنوا به وأنكروا رسالة غيره من الرسل بعده.
أو يقول : لا تكونوا كأولئك يكذبونه ما دام حيّا ، فإذا هلك يكذبون رسالته ، يحذرهم سفه أوائلهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ).
أي : يجادلون في دفع آيات الله وردها بغير حجة وسلطان أتاهم من الله ، أو بغير حجة مكن لهم الاحتجاج بها ، وإلا كان أهل الإيمان قد يجادلون فيها حتى إذا ظنوا أنها آيات الله آمنوا بها وأقروا بها ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا ، أي : جادلوا في دفع آيات الله وردها بغير حجة أتتهم ؛ كقوله : (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) [غافر : ٥] ، والله أعلم.
وقوله : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا).
هكذا الواجب على أهل الإيمان أن يمقتوا من الأعمال ما مقتها الله تعالى ، أو يمقتوا من مقته الله من أعدائه ؛ وعلى ذلك ذكر : إن خير أعمالكم حبّ ما أحبه الله وبغض ما أبغضه الله أو كلام نحوه ، وشر أعمالكم حب ما أبغضه وبغض ما أحبه الله تعالى (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).
أي : هكذا يطبع الله على كل قلب من جادل في دفع آيات الله وردها بغير حجة ، أي : يطبع على كل من تعود التكبر والتجبر على الآيات والرسل ، والله أعلم.
ثم قوله : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى ...) من هو كذا ، وكذلك يضلل ، ونحوه كله حروف الاعتلال (٢) ، بين الله تعالى العلل التي لها لا يهديهم ويضلهم ؛ وكذلك في قوله : (لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) ومسرف مرتاب ونحوه ، أي : لا يهدي من كان طبعه وعادته الإسراف والكذب وكفران النعم ودفع الآيات والحجج بلا حجة وبرهان ، فأمّا من كان طبعه وعادته غير هذا لكن لجهل جهل ذلك ، أو لما يتحقق عنده لظنه وقلة التأمل ، أو لاشتغاله بأمور الدنيا ، أو لمعنى من المعاني يجوز أن يهديه الله تعالى ويرشده ، على هذا يخرج هذه الآيات ، والله أعلم.
وعلى ذلك ما كان [يصنعه] فرعون اللعين من التمويهات والتلبيسات على أتباعه في
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : مما يحفظ البتة : الواجب على كل مسلم أن يمقت [من] الأعمال ما مقته الله تعالى. م.
(٢) ثبت في حاشية أ : مما يحفظ البتة : حروف الاعتلال. م.