سورة حم المؤمن وهي مكية
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ)(٦)
قوله ـ عزوجل ـ : (حم).
قال بعضهم : هو هجاء أسماء الرب جل وعلا ؛ وهو قول ابن عباس (١) ، رضي الله عنهما.
وقال بعضهم : فواتح السور كلها ، وكذلك قال في سائر الحروف المقطعة.
وقال بعضهم (٢) : أصله (حم) أي : قضى ، كقول الشاعر :
ألست ترى أن الذي حم كائن
أي : الذي قضى كائن ، إلا أنه ذكره بالهجاء كمن ذكر زيدا بالهجاء.
وقد قلنا نحن : إن تفسير الحروف المقطعة ما ذكر على أثرها ، وقد ذكرنا أقاويل الناس واختلافهم فيها في غير موضع ما أغنانا عن ذكرها في هذا الموضع ، والله أعلم.
وقوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
قد ذكرنا قوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) في سورة الزمر ، غير أنه ذكر العزيز الحكيم وهاهنا ذكر العزيز العليم وهما واحد ، والله أعلم.
وقوله : (غافِرِ الذَّنْبِ) ، يخرج على وجهين :
أحدهما : (غافِرِ الذَّنْبِ) أي : متجاوز الذنب ، وهو في حق المؤمنين خاصة.
والثاني : (غافِرِ الذَّنْبِ) أي : ساتر الذنب ، وهو يحتمل للكافر والمؤمن جميعا ؛ فإنه يستر كثيرا على المؤمن والكافر جميعا الذنب في الدنيا ، ولم يفضحهما ، ويتجاوز عن المؤمن خاصة في الآخرة ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقابِلِ التَّوْبِ).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٠٢٦٥).
(٢) قاله الضحاك والنسائي كما في تفسير البغوي (٤ / ٩٠).