في المواعظ [إذا] انتهت غايتها وبلغت نهايتها ، فلما تنجع فيهم ؛ وهو كقوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] ، وقوله تعالى : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ...) الآية [يونس : ٤١].
ثم فسر ما يدعون إليه وما يدعوهم إليه من النجاة حيث قال : (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ).
هذا منه تفسير ما دعاهم إلى النجاة وبيان ما يدعونه إلى الهلاك.
ثم قوله : (وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) قد يستعمل قوله : (ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) في نفي العلم ، أي : ليس ذلك ، وذلك في إثبات العلم بخلافه وضده ؛ يقول : وأشرك به ما ليس لي به علم ولا كان من الشريك وغيره ، أو يقول : تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لكم به علم ، والله أعلم.
ثم بين عجز ما يعبدون من الأصنام وغيرها ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ).
(لا جَرَمَ) ، أي : حقّا ؛ يقول ـ والله أعلم ـ : بحق أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة ، أي : لم تدعكم إلى عبادة نفسها ، أي : الأصنام التي عبدوها ، والأول أشبه ؛ لأنهم كانوا يعبدون تلك الأصنام ؛ رجاء أن تشفع لهم ، فأخبر أنها لا تشفع بقوله : (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) ، أي : شفاعة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ).
يقول ـ والله أعلم ـ : إن مرجعنا إلى ما أعد الله لنا ، أعد لكم النار ، وأعد لي الجنة ، (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) والمقتصدين من أصحاب الجنة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ).
أي : ستذكرون إذا عاينتم ما أعدّ لكم وأعد لنا : أن ما كنتم عليه ودعوتموني إليه دعاء إلى الهلاك ، وما دعوتكم إليه هو دعاء إلى الجنة.
أو يقول : ستذكرون ما نصحت بدعائي إياكم إلى ما به نجاتكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ، هذا يخرج على وجوه :
أحدها : كأنهم خوفوه وأوعدوه بأنواع الوعيد والتخويف ، فقال عند ذلك : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ، وأتوكل عليه ، فيحفظني ويدفع عني شركم وما تقصدون بي ، والله أعلم.
والثاني : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) أي : عليه أتوكل ، وأكل في جميع الأمور من الخيرات والشرور ، وهو الكافي لذلك.