والثالث : إظهار الحاجة إليه ، والمؤمن أبدا يكون مظهرا للحاجة إلى الله ـ تعالى ـ في كل وقت وكل ساعة ، والله أعلم.
والرابع : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) أي : لا أشتغل بشيء في أمري أصيره إلى الله ، تعالى.
وعلى قول المعتزلة لا يصح تفويض الأمر إلى الله تعالى ؛ لأنهم يقولون : إن عليه أن يعطيه جميع ما يحتاج إليه المكلف حتى لا يبقى عنده مزيد ، وإذا لم يبق عنده شيء ، فليس لتفويض الأمر إليه معنى ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا).
دل هذا على أنهم قد قصدوا قصد المكر به ؛ حيث أخبر أنه وقاه سيئات ما مكروا ، فجائز أن هموا به قتله ، ويحتمل غيره.
ثم يحتمل ما وقاه عن مكرهم بما وقى موسى ـ عليهالسلام ـ لما أهلكهم وأنجاه من شرهم.
ويحتمل توجيه آخر لا نفسره ؛ لأنا لا نحتاج إليه ، وإنما حاجاتنا إلى أن نعلم أنه كان بذل نفسه لله تعالى وحفظه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ).
استدل بعض الناس على عذاب القبر بقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) وإنما يعرض أرواحهم على النار فتألمت أجسادهم في القبور لذلك ، وكذلك يعرض أرواح أهل الجنة فيتلذذ أجسادهم بتلذذ الأرواح بعد أن أحدث فيها الحياة التي تحقق الألم واللذة هذا في القبور ، ثم إذا دخلوا النار يكون لهم ما ذكر من العذاب ، حيث قال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) ، والله أعلم.
وجائز أن يكون ما ذكر من العرض على النار قبل القيامة قبل أن يدخلوا النار ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ. ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) [الصافات : ٢٢ ـ ٢٥] يكون عرضهم على النار هو وقت وقفهم للسؤال وحبسهم لذلك ، ثم يدخلون النار ؛ فيكون لهم العذاب الذي ذكر ؛ وهو قول الحسن.
ثم قوله : (غُدُوًّا وَعَشِيًّا).
يحتمل قدر غدو وقدر عشي ، فإن كان التأويل في عذاب القبر يحتمل ما قال بعضهم : أن يقال لهم : هذا لكم ما دامت الدنيا.
ويحتمل أنه ذكر على إرادة الغدو والعشي حقيقة ذلك كل وقت ، لكن يتجدد التألم