وبعد ، فإنهم قد اتبعوا فرعون بما ادعى لنفسه من الألوهية بلا حجة وبرهان طلبوا منه ، وتركوا اتباع موسى ـ عليهالسلام ـ بما ادعى من الرسالة بعد ما أقام على ذلك من البينات والحجج والبراهين ؛ فلذلك قال : «جعلت أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين ، يقال : يا آل فرعون ، هذه داركم» ، قال عبد الله : فذلك عرضها ، فإن ثبت هذا عن ابن مسعود (١) ـ رضي الله عنه ـ كان لهم أشد العذاب ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ)(٥٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ).
ما ذكر هاهنا وفي آي من القرآن وهو ما ذكر : (فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) ، قد علم الضعفاء الأتباع لا يملكون دفع ما هم فيه ؛ لأنهم لو كانوا يملكون ذلك ، لدفعوا عن أنفسهم ، فإذا لم يملكوا دفع ذلك عن أنفسهم فلألا يملكوا دفع ذلك عنهم أحق ، لكنهم قالوا ذلك لهم ليزدادوا حسرة وندامة ؛ وهو كقوله تعالى في آية أخرى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ...) [إبراهيم : ٢١] إلى قوله : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) [إبراهيم : ٢١].
ويحتمل أنهم إنما قالوا لهم ذلك لما قالوا لهم في الدنيا : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) فيقولون لهم لذلك في الآخرة : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : حاملون عنا بعض الذي علينا من العذاب (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) في الدنيا (إِنَّا كُلٌّ فِيها) نعذب (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ).
هذا من أولئك الذين استكبروا ؛ جوابا للضعفاء على أحد التأويلين ، ولا يكون جوابا
__________________
(١) تقدم.