للآخر ، وهو جواب لقولهم الذي قالوا في الدنيا : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) ، فيقولون : (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) ألا يزيد العذاب على مثل السيئة ، وقد حكم الله تعالى على كل منا بالمثل ، فلا يزيد على ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ).
كان فزع الكفرة أبدا إلى الخلق إذا نزل بهم البلاء في الدنيا ، إلا أن يضطروا ، فعند ذلك يفزعون إلى الله ، فأما ما لم ييئسوا منهم فلا يفزعون إليه ؛ فعلى ذلك يكون فزعهم في الآخرة إلى الخلق ، وهو ما سألوا أهل الجنة من الماء ، أخبر الله تعالى عنهم بقوله : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) ، فلما أيسوا من ذلك عند ذلك فزعوا إلى مالك ، وهو ما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) سألوا الموت ، فلما أخبرهم أنهم ماكثون ، فعند ذلك فزعوا إلى الخزنة وقالوا : (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ* قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، فلما أيسوا منهم ومما سألوهم من تخفيف العذاب عنهم عند ذلك فزعوا إلى الله تعالى ، وهو قولهم : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر : ٣٧] ، وقولهم : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) [إبراهيم : ٣٤] ، لم يفزعوا إلى الله تعالى إلا بعد ما انقطع رجاؤهم منهم ، وأيسوا ، وبالله العصمة والنجاة.
وقد استدل بقوله تعالى : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى) من لا يرى الحجة والحكم يلزمهم بمجرد العقل دون الرسل ـ عليهمالسلام ـ حيث احتج عليهم الخزنة بتكذيبهم الرسل وردهم البينات التي أتتهم الرسل.
واستدلوا أيضا بقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ) [الإسراء : ١٥] ، وبقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) [طه : ١٣٤] ، وقوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) [القصص : ٥٩] ، وغيرها من الآيات التي فيها أنه لا يعذبهم إلا بعد ما قامت عليهم الحجة من جهة الرسل ولزمهم الحكم بهم ، فعند ذلك يعذبون.
لكن تأويل الآية يخرج عندنا على وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك في قوم خاص الذين لا يرون لزوم الحجة والحكم إلا من جهة الرسالة ، فيحتج عليهم بما كانوا يرونه ؛ ليكون أقرب إلى الإلزام والحجة ، وإن كان