وأنهم دعوهم إلى التوحيد والإيمان ، لكنهم كذبوهم وكفروا بما دعوهم إليه ، فذلك نصره إياهم في الدنيا والآخرة ، والله أعلم.
والثاني : ينصرهم ؛ لما يجعل لهم العواقب وآخر الأمر وإن كان في الابتداء قد يكون عليهم ، وعلى ذلك لم يذكر عن أحد من الرسل إلا وقد كان عاقبة الأمر له ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨] ؛ فهذا النصر هو النصر في الأبدان والأول هو نصر في الدين ، ولكن إن كان هو نصرا في الأبدان فهو نصر يرجع إلى الدين ؛ لما يقوم الدين بسلامة الأبدان ، ويتحقق به عز المسلمين ، والله الموفق.
والثالث : ذكر نصرهم ؛ لما أعطاهم من النعمة في الدنيا والسعة فيها ، وهو يذكر للرسل والمؤمنين نصرا ونعمة ومعونة ، أما هي للكفرة فتنة ومحنة لا غير لا تذكر باسم النصر والنعمة ؛ إذ هي في حق المسلمين وسيلة إلى النعمة الأبدية ، وفي حق الكفرة إلى العذاب الأبدي ، فتكون نعمة في حقهم حقيقة ؛ ولذلك قال تعالى : (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت : ١ ، ٢] ، وقال : (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) [الزمر : ٤٩] ، وقوله : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون : ٥٦] ، وقد أخبر أن ما أعطاهم من الأموال والسعة إنما هي فتنة ومحنة لهم ، والله أعلم.
فإن قيل : ذكر أنه ينصرهم ، وقد نرى مؤمنا قد ينقطع حججه ويعجز عن إقامتها ونراه مغلوبا ، والكافر هو الغالب؟!
قيل : عن هذا جوابان :
أحدهما : من جعل العاقبة له والغلبة والنصر في آخر الأمر.
والثاني : جائز أن يكون وعده النصر لهم والظفر بالحجة بالشريطة ، وهي القيام بوفاء ما لله عليهم من الحق في ذلك ، فالنصر والظفر بالحجة في المناظرة أن يكون يزجى عمره في معرفة الحجج والدلائل وأن يكون عارفا بطرق النظر ، ومتى كان هذا الشرط موجودا يكون النصر له لا محالة ، وشرط الظفر في المحاربة أن يكونوا قاصدين إعزاز دين الله تعالى ، دون ابتغاء الدنيا وكلمتهم واحدة ونحوها ، ومتى كان المحاربة بشرائطها يكون الظفر لا محالة للمسلمين ؛ وذلك كقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة : ٤٠] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ).
قال بعضهم (١) : الأشهاد : هم الملائكة يكتبون أعمال بني آدم ، يشهدون عليهم بما
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٠٣٧٧) ، وأبو الشيخ كما في الدر المنثور (٥ / ٦٦٠) ، وهو قول قتادة والأعمش أيضا.