يفعلون ذلك ، إنما العز والشرف في طاعة الله تعالى واتباع أمره ، ليس في اتباع من اتبعهم ولا في ائتمار من ائتمرهم ، ولكن فيما ذكرنا ، والله أعلم.
ثم أخبر أنهم ليسوا ببالغين إلى ما قصدوا من إطفاء النور الذي أعطى المؤمنين ، ولا إدحاض الحق وإبطاله حيث قال ـ عزوجل ـ : (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) ، وقوله : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
قال عامة أهل التأويل (١) : أمره أن يستعيذ بالله من فتنة الدجال ، لكن عندنا : أمره أن يتعوذ بالله من مكائد أولئك الأكابر والفراعنة ، قد هموا أن يمكروا به ويكيدوا ، أمره أن يتعوذ بالله من مكرهم وكيدهم ، كما أمره أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، حيث قال : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ....) الآية [المؤمنون : ٩٧] ، وهذا أولى من الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ).
قال أهل التأويل : أي : لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الدجال ، لكن قد ذكرنا بعد صرف الآية إلى الدجال.
ثم يحتمل قوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) وجهين :
أحدهما : الآية نزلت في مقرين بخلق السماء والأرض ، منكرين بالبعث ؛ يقول : إن خلق السموات والأرض مبتدأ بلا احتذاء بغير أكبر وأعظم من إعادة الناس ، فإذا عرفتم أنه قدر على خلق السموات والأرض مبتدأ بلا احتذاء بغير ، لكان قدرته على إعادة الخلق أحق ؛ إذ إعادة الشيء في عقولكم أهون من البداية ؛ كقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] ، فكيف أنكرتم قدرته على البعث وقد أقررتم بقدرته على خلق ما ذكر؟!
والثاني : أن تكون الآية نزلت في مقرين بخلق الناس منكرين بخلق السموات والأرض ؛ يقول : إن خلق السموات والأرض وإمساكها في الهواء بلا تعليق من الأعلى ولا عماد من الأسفل ، مع غلظها وكثافتها أكبر وأعظم في الدلالة على حدثها وخلقها من خلق الناس ؛ لأن خلق الناس إنما يكون بالتغير والتولد من حال إلى الحال الأخرى ، فيجوز أن يتوهم كون ذلك وافتراقه ثم اجتماعه من بعد وظهور ذلك منه ، وأمّا السماء فهي على حالة واحدة فلا يتمكن توهم ذلك لما ذكرنا.
__________________
(١) هو قول أبي العالية وغيره كما سبق.