مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٦٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ...) الآية.
نزلت في أهل التوحيد يقول : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، ثم تخرج على الاستغفار مرة ؛ لما كان منهم من التضييع في حقوق الله تعالى وما أمرهم به ونهاهم عنه والتفريط في ذلك ، استغفروا أغفر لكم.
ويحتمل (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) : اطلبوا مني التوبة عن ذلك أتوب عليكم ، والله أعلم.
وإن كانت الآية في أهل الكفر فيكون قوله : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، أي : وحدوني أغفر لكم.
ويحتمل اعبدوني أغفر لكم ؛ وهو كقوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] ، وقد جاء في بعض الأخبار عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الدعاء هو العبادة (١) ، ثم قرأ : ادعونى أستجب ...» ، وفي بعض الأخبار : «الدعاء مخ العبادة» (٢) ، وأصل هذا : أنه ينظر كل أحد إلى ما ارتكبه ، فإن كان سببا يستوجب به العقوبة كان استغفاره القيام بقضاء ما تركه وضيعه ، والعزم على ألا يعود إلى ذلك أبدا ، وإن كان سببا غير معروف ، تركه [و] يستغفر الله تعالى في ذلك ، ويطلب منه التجاوز والمغفرة ، وأصل ذلك ما قال الله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة : ٤٠].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي).
ذكر الإجابة بالشريطة ، وهو أنهم إذا آمنوا به وأوفوا عهده يعرف لهم ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ).
استدل بعض الناس بهذه الآية على أن قوله : (ادْعُونِي) إنما أراد به العبادة على ما ذكرنا.
فإن قيل : إن هذه السورة نزلت بمكة ، وأهل مكة كانوا يقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، وفي ظاهر ذلك أنهم لا يستكبرون عن عبادته ، لكنهم لم يروا
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٧١٤) ، وأبو داود (١٤٧٩) ، والترمذي (٢٩٦٩) ، وابن ماجه (٣٨٢٨) ، وقال الترمذي : حسن صحيح.
(٢) أخرجه الترمذي (٣٣٧١) ، والطبراني في الأوسط (٣٢٢٠) ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب ـ يعني ضعيف.