أي : أمرت أن أجعل الخلق وكل شيء لله سالما خالصا لا أشرك فيه غيره ، والله الموفق.
وقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) بذكرهم الوجوه التي بها يوصل إلى معرفة شكر ما أنعم عليهم ؛ قال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي : خلق أصلكم من تراب ، (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي : خلقكم من نطفة ، يذكرهم هذا ؛ ليعلم خلقه إياهم من تراب ـ أعني : خلق أصلهم ليس باستعانة منه بذلك التراب ؛ لأنه لو كان على الاستعانة منه ، لكان لا معنى لخلق أنفسهم من الماء على الصورة التي جعلهم من تراب وعلى جنسه ؛ إذ ليس في الماء من آثار التراب شيء ، ولا في الماء والنطفة من آثار العلقة شيء ، ولا في العلقة من آثار الطفولية شيء من اللحم والعظم والجلد والشعر وغير ذلك ، ليس في التراب معنى الماء ولا في الماء معنى التراب ، ولو كان على الاستعانة بذلك لكان المخلوق من أحدهما لا يكون مثل المخلوق من الآخر في تركيبه وتصويره ، وهما يختلفان في أنفسهما ، وكذلك ما ذكر من تقلبه من حال إلى حال وتبديله من نوع إلى نوع ، وليس في كل [حال] يقلب إليها من الحال التي كانت شيء ولا من شبهها ؛ ليعلم أن كل ذلك إنما كان بقدرة ذاتية وعلم ذاتي وتدبير ذاتي كذلك ، لا باستعانة شىء مما ذكر ولا سبب له في ذلك ، ولكن كان بمعنى جعل فيه كان ذلك كذلك بوجود ذلك المعنى ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) أي : تبلغوا حتى يشتد كل شيء منكم من البينة والعقل وغير ذلك.
وقوله : (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ).
أي : منكم من يتوفى من قبل أن يبلغ شيخا.
وقوله : (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى).
أي : لتبلغوا الأجل الذي جعل لكم.
وقوله : (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) :
ما بين لكم وذكر لكم.
وقوله : (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ).
أي : وهو الذي يخلق حياة كل شيء ويخلق موت كل شيء ، وعلى قول المعتزلة : يجوز أن يسمى كل عبد : محييا مميتا ؛ لقولهم : إن القتيل ليس بميت بأجله ، بل ميتة القاتل ، وقولهم : إن المتولدات من الفعل هي فعل ذلك الفاعل ؛ فعلى قولهم هذا يجوز تسمية كل أحد : محييا مميتا.