فمن رفعها يقول : معناه : إذ جعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم يسحبون بها في الحميم.
ومن قال بالخفض فتأويله : إذ الأغلال في أعناقهم وفي السلاسل ، أي : يجعل الأغلال في السلاسل ، فيسحبون بها في الحميم.
ومن قال بالنصب كأنه قرأه : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون. في الحميم أي : يسحبون السلاسل في الحميم.
وقوله : (يُسْحَبُونَ) أي : يجرون ، والحميم : قد مر تأويله ، وهو ما يشرب منه [و] قد انتهى حره غايته.
وقوله : (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) أي : يوقدون ، ذكر ما يسقون فيها وهو الحميم ، وذكر ما يحرقون به.
قال أبو عوسجة : (يُسْحَبُونَ) أي : يجرون ، وصرفه : [أسحب] ، يسحب إسحابا ، أي : جرّا.
وقوله : (يُسْجَرُونَ) أي : يوقدون بهم ، يقال : سجرت ، أي : أوقدت فيه ، وصرفه :
سجر يسجر سجرا.
وقوله : (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ).
ظاهر هذه الآية : أن هذا القول لهم بعد ما دخلوا النار ؛ لأنه ذكر على أثر قوله : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ* فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) ، فظاهرها أن قوله : (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ) بعد دخولهم النار ، وظاهر قوله بعد هذا متصلا به : (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) ـ على أن ذلك القول إنما يقال لهم قبل أن يدخلوا النار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً).
هذا القول منهم يخرج على وجهين :
أحدهما : على إنكارهم وجحودهم عبادة الأصنام التي عبدوها في الدنيا وأشركوها إياه في ألوهيته ؛ وهو كقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ...) الآية [الأنعام : ٢٣] ، وقوله : (فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) [المجادلة : ١٨] أنكروا ما كان منهم ، وأقسموا على ذلك ، وهذا يدل على أن الآية لا تضطر أهلها إلى قبول الآيات والتصديق لها ؛ لأنهم أنكروا أن يكونوا مشركين بعد ما عاينوا العذاب وظهر لهم خطؤهم وكونهم على الباطل ، ثم لم يمنعهم ما عاينوا من الكذب.