يوجد منه الإنكار لغيره على الجملة أو التعيين ، وكذلك الإيمان بالله تعالى إيمان بالرسل جميعا ؛ لأن الإيمان بالله إيمان بأمره ونهيه ؛ فيكون إيمانا بمن جاء الأمر والنهي على يده ، والله الموفق.
وقوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
كأنهم سألوه أن يأتي بآية بعد آية على أثر آية أخرى ، فقال عند سؤالهم ذلك : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : ليس لرسول أن يأتي بالآية على شهوته أو على شهوة السائل.
وهذه الآية تدل على نقض قول الباطنية (١) ؛ فإنهم يقولون : إن أنفس الرسل جواهر روحانية يأتون بها الآية حيث شاءوا وكيف شاءوا ، فكان للرسل عندهم بسبب الجواهر الروحانية التي فيهم ـ قدرة إتيان الآيات كيف شاءوا من غير إذن من الله تعالى ، ومن غير سؤال منهم إياه في وقت الإتيان ، ولو كان الأمر على ما قالوا لم يكن لقوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) معنى ، وأنه مخالف للآية ؛ فإن فيها إخبارا : أنه لا يأتي الرسل بالآيات إلا بإذن من الله تعالى ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ).
أي : إذا جاء الأمر بعذاب الله ، أو إذا جاء الأمر بموعود الله ، يعبر بالأمر عن الموعود الذي أوعدوا ، وقد ذكرنا معنى الخسران فيما تقدم.
وقوله : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ).
ذكرهم بهذه الآية وبالآية التي تقدم ذكرها لوجهين :
أحدهما : يذكرهم النعمة التي أنعمها عليهم حيث قال : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [القصص : ٧٣] ، وقال : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) [غافر : ٦٤] ، ثم قال هاهنا : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ، ذكرهم أولا بدء إنشائهم حيث خلقهم من تراب ثم من نطفة ... إلى آخر ما ذكر.
وفيه دلالة وحدانيته وعلمه وتدبيره وقدرته ، ثم ذكرهم من بعد نعمه .... إلى آخره ؛ يستأدي بذلك شكره وحمده على ذلك ، هذا وجه.
والثاني : يذكرهم أنه إنما أنشأ هذه الأشياء التي ذكرها وعدّها عليهم للبشر ، لم ينشئها
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : وينقض قول الباطنية في الرسالة. م.