لأنفسها ، كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : قد أنشأت هذه الأشياء لكم تنتفعون بها وتستعملونها كيف شئتم ، فما بالكم أشد إنكارا وكفرا بالنعمة من غيركم من العالم ، وسائر العالم أشد خضوعا واستسلاما لنعمه والقيام بشكرها له؟!
ثم في الآية نقض قول المعتزلة (١) ؛ لأنهم يقولون : ليس لله تعالى أن يؤلم طفلا ونعما إلا بعوض يعوضها ، ثم لا شك أن ما سخر من الأنعام والدواب للبشر ، ومكن لهم استعمالها والانتفاع بها أنواع المنافع ؛ أنها تتأذى وتتألم بذلك ؛ فيجب على قولهم : ألا يكون لله تعالى أن يؤلم إلا بعوض ترضى به هذه الأشياء ؛ إذ هكذا حكم كل مجعول بعوض أن يشترط رضا أربابها في العوض ، وإذا لم تكن هذه الأشياء من أهل الرضاء بحيث ألا يجوز التعويض ؛ فدل أن ذلك بناء على ما قلنا من أن الأصلح ليس بواجب ، والله الموفق.
ثم جعل منافعها مختلفة منها الركوب ومنها الأكل وغير ذلك من الانتفاع بصوفها ووبرها ، وما أعطى لهم أيضا من السفن يركبون بها البحار ؛ ليصلوا إلى حوائجهم في الأمصار التي بعدت منهم ونأت ؛ فضلا منه ومنة ، فذلك قوله : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) [غافر : ٨٠].
وقوله : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ).
يحتمل أنه أراهم آيات وحدانيته وألوهيته ، وأراهم آيات نعمه وإحسانه إليهم ونحوها ، يقول : فأنى آيات الله [التي] أراكم تنكرونها أنها ليست من الله تعالى.
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ)(٨٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
قد ذكرنا معناه في غير موضع.
وقوله : (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً).
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : نقض قول المعتزلة [في] إيلام الطفل والحيوان. م.