أي : كانوا أكثر عددا منكم وأشد في القوة والبطش.
وقوله : (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ).
أي : أكثر أعمالا منكم ، ثم كانت عاقبتهم الهلاك والاستئصال.
وقوله : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ).
يقول : لم يغن عنهم كثرة العدد والحشم والأموال ، ولا قوة الأبدان في دفع العذاب عن أنفسهم ، فأنتم ـ يا أهل مكة ـ أحق ألا تقدروا على دفع العذاب عن أنفسكم إذا نزل بكم مع ضعفكم وقلة عددكم! والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ).
يحتمل قوله : (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) وجهين :
أحدهما : أي : فرحوا بما عندهم أنه علم وليس هو في الحقيقة علما ، لكن عندهم أن ذلك علم ؛ وهو كقوله : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] ، أي : انظر إلى إلهك الذي هو عندك إله ، وإلا لم يكن ذلك عند موسى ـ عليهالسلام ـ إلها ، لكنه ذكر على ما عند ذلك الرجل للتعريف ؛ فعلى ذلك قوله : (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي : بما عندهم أنه علم وإن لم يكن في الحقيقة علما ، والله أعلم.
والثاني : يحتمل أن يكون على حقيقة العلم ، وذلك من أهل الكتاب ؛ قد كان من أهل الكتاب الإيمان بما عندهم من الكتاب ، وهو على الحقيقة علم لا شك فيه ، لكنهم لما كذبوا غيره من الكتب والعلوم وكفروا بها ، لم ينفعهم إيمانهم بما عندهم من العلم ؛ كقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ ...) [البقرة : ٩١] ، كان إيمانهم بما أنزل إليهم حقّا ، لكنهم لما كفروا بغيره أبطل ذلك الكفر إيمانهم بالذي أنزل إليهم ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم.
وقوله : (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
أي : يحويهم العذاب بما كانوا يستهزءون بالرسل.
وقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) ، يحتمل هذا وجهين :
يحتمل أن يكون هذا القول منهم وما ذكر من الإيمان منهم إذا رأوا بأس الله ـ بعد وفاتهم في قبورهم ، أي : عذاب الله ، فإن كان التأويل هذا ، فهذا يدل على عذاب القبر لمن شاء الله تعالى في حقه العذاب ، والله أعلم.
والثاني : يحتمل أن يكون ذلك منهم في حياتهم ؛ حين رأوا بأس الله في الدنيا آمنوا بما