وإلا احتمل أن يكون قوله : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) : هو ما حجبتهم ظلمة الكفر وغطتهم عن فهم ما دعوا إليه وعلم ما دعاهم إليه محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) ، هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : اعمل أنت بدينك فإنا عاملون بديننا ؛ كقوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦].
والثاني : فاعمل أنت في كيدنا فإنا عاملون في كيدكم والمكر بكم ، والله أعلم.
ويحتمل أن يقولوا : اعمل أنت لأهلك فإنا عاملون لإلهنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ).
هذا الحرف يخرج على وجهين :
أحدهما : كأنه يقول لهم : إنما أنا بشر مثلكم أفهم وأعقل يوحى إليّ وأسمع ذلك ، فأنتم في قولكم : إن قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر ـ لا عذر لكم في ذلك ؛ لأنه إنما يحجبكم عن ذلك ويغطي قلوبكم عن فهم ذلك الكفر الذي أنتم عليه والضلال الذي أنتم فيه ، فاتركوا ذلك حتى تفهموا وتعقلوا ما تدعون إليه وتؤمرون به ، كما أفهم أنا وأعقل إذ أنا بشر ، والله أعلم.
والثاني : يقول : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) ، أي : إنما أنا بشر مثلكم أمرت أن أبلغ إليكم أن إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه ، وإلا لو [لم] أؤمر بتبليغ الرسالة إليكم إنما إلهكم إله واحد ـ لكنت أترككم وما أنتم عليه ؛ لقولكم : إن قلوبنا في أكنة وفي آذاننا وقر فاعمل إننا عاملون. على هذين الوجهين تأويل الآية ، والله أعلم.
وقوله : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ).
قال بعضهم (١) : أي : فاستقيموا إليه بالطاعة.
وقيل : أي : استقيموا إلى ما دعاكم إليه من التوحيد.
وقوله : (وَاسْتَغْفِرُوهُ).
أي : انتهوا عما أنتم عليه من الكفر والضلال ؛ ليغفر لكم ما كان منكم في حال الكفر ؛ كقوله تعالى : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨].
ويحتمل : أي : كونوا على حال بحيث يقبل استغفاركم وطلب تجاوزكم.
وقوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ).
والإشكال : أنه لما ذا خص المشرك الذي لم يؤت الزكاة ، وينكر الآخرة ـ بالويل ، وقد
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١١ / ٨٦٩) وتفسير البغوي (٤ / ١٠٧).