يلحق الويل للمشرك آتى الزكاة أو لم يؤت ، آمن بالآخرة أو كفر بها ـ فنقول : قال بعض أهل التأويل (١) : معناه : وويل للمشركين الذين لا يؤمنون بإيتاء الزكاة ، ولا يؤمنون بالآخرة ، وخصهم بذكر جحود الزكاة والآخرة ؛ لما كان سبب كفرهم مختلفا : منهم [من] كان سبب كفره بخله في المال وشحه ، حمله ذلك على إنكار الزكاة والامتناع عن الإيتاء ، [و] منهم من كان كفره إنكاره جزاء الأعمال ، حمله ذلك على إنكار الآخرة ، ومنهم من كان سبب كفره الخضوع لمن دونه أو مثله في أمر الدنيا ، حمله ذلك على إنكار الرسالة والجحود لها ، وغير ذلك من الأسباب (٢) التي حملتهم على الكفر والضلالة وهي مختلفة.
ويحتمل قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) لا على زكاة الأموال ، ولكن على زكاة الأنفس ؛ كأنه يقول : وويل للمشركين الذين لا يعلمون ولا يسمعون فيما به تركوا أنفسهم ويشرف ذكرها ويصلح أعمالهم به ولا ما يجزون به في الآخرة ، أي : ويل لمن لا يعمل ذلك ، والله أعلم.
وهذان الوجهان جواب عمّن تعلق بظاهر هذه الآية على أن الكفار يخاطبون بالشرائع ؛ حيث ألحق الوعيد بهم بترك إيتاء الزكاة ، والزكاة من الشرائع ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).
أي : غير مقطوع وذلك في الآخرة.
وقال بعضهم (٣) : أي : غير ممتن عليهم ، وذلك في الآخرة أيضا ، ومعناه ـ والله أعلم ـ : أنه يزاد لهم في الآخرة على قدر أعمالهم ، ولا يمن عليهم في تلك الزيادة ، وقال بعضهم (٤) : (غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي : غير منقوص ولا ممنوع ، وذلك ـ والله أعلم ـ أن من كان يعمل في حال شبابه وقوته الصالحات والطاعات ، ثم كبر وعجز عن إتيانها أنه لا يمنع ولا ينقص منه الأجر الذي كان مجرى عليه ويكتب له في حال شبابه وقوته ، والله أعلم.
قوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٠٤٢٤).
(٢) ثبت في حاشية أ : أسباب الكفر والعياذ بالله تعالى. م.
(٣) انظر تفسير ابن جرير (١١ / ٨٧) ، وتفسير البغوي (٤ / ١٠٨).
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٠٤٢٧) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات كما في الدر المنثور (٥ / ٦٧٥) ، وهو قول السدي أيضا.