أحدهما : العدل الذي يناقض الجور ، أي : عدل للسائلين ليس بجور.
والثاني : عدلا للسائلين ، أي : سواء ، يقول لمن يشاء الرزق من السائلين.
وقال الحسن : في أربعة أيام سواء لمن يسأل عن خلقه في أربعة للسائلين أو كلام نحوه.
وقال بعضهم : هو من تقاديم الكلام يقول : قدر فيها أقواتها سواء في أربعة أيام للسائلين تلك الأقوات والأرزاق سواء ، والله أعلم.
ثم في هذا مسألتان :
إحداهما : في تكوين الخلق وإحداثه وما ذكر من تقدير الأقوات في الأوقات ، فعندنا أن الله ـ تعالى ـ لم يزل مكونا محدثا ، وأن ما كان ويكون إلى آخر الأبد إنما يكون بتكوين كان منه في الأول ، لا بتكوين يحدث منه في كل وقت يحدث المكون والخلق ، والأصل في ذلك ما ذكرنا فيما تقدم : أنه إذا أضيف الأوقات إلى فعله فتكوين التوقيت للخلق أعني : المفعول لا لفعله ؛ لما ذكرنا أنه لا حاجة تقع له في المعونة بشيء مما ذكر من التوقيت ، وإنما ذكر ذلك لئلا يتوهم قدم المفعول والخلق ، وليعلم أنه محدث.
ومسألة أخرى في ذكر التحديد والتوقيت في خلق ما ذكر ؛ لحكمة جعل في ذلك من غير أن يصعب عليه خلق ذلك في ساعة أو طرفة عين ؛ إذ المعنى في خلق ما ذكر في أيام وأوقات ذلك غير موجود على السواء ، وهو أن الله تعالى عالم بذاته قادر بذاته له قدرة ذاتية وعلم ذاتي لا مستفاد ، فالأوقات إنما يحتاج إليها من كان يعمل بقدرة مستفادة وعلم مستفاد استعانة له بذلك ، فأما الله ـ سبحانه وتعالى ـ ما يكون منه إنما يكون بقدرة ذاتية وعلم ذاتي لا حاجة تقع إلى الاستعانة بشيء من ذلك ؛ لذلك كان ما ذكرنا.
ثم قوله : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ).
الأربعة الأيام التي ذكر هي مع خلق الأرض : يومين لخلق الأرض ، ويومين لتقدير الأقوات لأهلها والأرزاق فيكون أربعة ، ثم ذكر لخلق السموات يومين ، فإذا جمع يكون ستة أيام ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [الفرقان : ٥٩] ، فكان تمام ذلك في ستة أيام ، وقد ذكرنا معنى ستة أيام في غير موضع.
وقوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ، يخرج على وجهين :
أي ثم استوت المنافع والأقوات التي قدرها في الأرض وجعلها معايش أهلها بالسماء ؛ لأنه جعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء ، ما لو لا السماء لم يستو منافع الأرض وما قدر لهم فيها ، فبالسماء استوى ذلك لهم ، أي : تم بذلك ، والله أعلم.