كرها. ثم اختلف فيه أنه على التكوين والتسخير ما ذكر من الطوع والكره ، أو على حقيقة القول والأمر في ذلك؟!
قال بعضهم : ذلك على التكوين والتسخير خلقه ، أي : إنشاؤهما وخلقهما على إخراج ما فيهما من المنافع والأقوات والأرزاق التي جعل فيهما ، وكذلك ما ذكر من الطوع والكره لا قولا منه لهما وأمرا ، لكنه طبعهما وأنشأهما كذلك على حقيقة القول والأمر منه لهما ؛ نحو ما ذكر لكل شيء من الجبال وغيرها : أنه يسبح لله ـ تعالى ـ على الوجهين ، لكن شرط خلق الحياة التي لا بد منها للنطق والسماع ؛ فعلى ذلك هاهنا.
وقال بعضهم في قوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) : أي ائتيا عبادتي ومعرفتي ، وذلك أن الله تعالى حين خلقهما عرض عليهما الطاعة والشهوة واللذات على الثواب والعقاب (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها ...) الآية [الأحزاب : ٧٢] ، فهذا الإباء والإعطاء هو إعطاء الخلقة والتكوين على ما ذكرنا.
وقوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ).
أي : خلقهن في يومين ، هو موصول بقوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) ، وقد ذكرنا الوجوه في ذلك.
ثم الأعجوبة في خلق السموات ورفعها أعظم وأكبر من خلق الأرض ، وقد ذكر في خلق السموات من الوقت مثل الوقت الذي ذكر في الأرض ، وهو يومان ؛ ليعلم أن الوقت الذي ذكر في ذلك ، ليس لما يتعذر عليه ذلك ، ويصعب بدون ذلك الوقت ، ولكن لحكمة جعل في ذلك لم يطلع الخلق على ذلك أو كانت الحكمة فيه ما ذكرنا.
وقوله : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها).
وهم الملائكة الذين جعلهم أهلا لها.
وقال قائلون : أي : أمر كل أهل سماء أمرها وامتحنهم بمحنة.
وقال بعضهم : هو مما أمر به وأراد ؛ وهما واحد.
وقوله : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ).
أي : بالكواكب ، وقوله : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) التي دنت منكم هي مقابل القصوى من الدنو ، ليس أن هذه السماء التي نراها ونشاهدها مزينة بالكواكب هي سماء الدنيا فانية وغيرها من السماء الآخرة لا يفنى ، بل كلها تفنى يعني : هذه وغيرها بقوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨] ، وقوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)