وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ).
أي : لا تسمعوا أنتم بأنفسكم والغوا فيه ؛ لئلا يسمع منه قراءته ولا صوته ، دل هذا القول على أنهم قد عرفوا أنه حجة ، وأنه من عند الله جاء ، وأن من سمع ذلك أذعن له وأطاع إذا لم يكابر عقله ؛ ولهذا قالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) ؛ لئلا يذعن [له] ولا يطاع (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).
وقال بعضهم (١) : قوله : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) بالمكاء والتصدية ، وكانوا يفعلون ذلك ؛ ليخلطوا عليه صلاته وقراءته لعلكم بالمكاء والتصدية لقولهم : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال : ٣٥].
وقوله : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ).
أي : يذيقن الذين كفروا وداموا على الكفر حتى ماتوا على ذلك ، فأما من كفر في وقت ثم ترك ذلك ، وأسلم ، فليس له ذلك.
ثم من الناس من يقول : إن قوله : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) أراد به في الدنيا ، وقوله : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ، في الآخرة ، يجعل أحد العذابين في الدنيا و [الآخر] في الآخرة.
وجائز أن يكون كله في الآخرة.
ثم دل قوله : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : لهم محاسن في الدنيا ، لكن تلك المحاسن تبطل ولا يجزون بها شيئا ، وإنما يجزون على المساوئ التي عملوها في الدنيا ؛ لأن المحاسن إنما تثبت وتبقى ويستوجب بها الجزاء إذا أتوا بالإيمان والتوحيد ، فأما إذا لم يأتوا به لم ينتفعوا بتلك المحاسن ، ولم يجزوا بها ، وقد ذكر للمؤمنين مقابل ذلك : أن يكفر عنهم سيئاتهم ويجزوا بأحسن ما كانوا يعملون ، وهو قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦].
وقوله : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر : ٣٥] وعد للمؤمنين تكفير المساوئ التي عملوا في الدنيا والجزاء لهم بالمحاسن التي عملوها ، ووعد للكافرين إسقاط محاسنهم والجزاء على مساوئهم لما لم يأتوا بالإيمان ، والله أعلم.
وقوله : (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ).
هذا يدل على أن ذلك في الآخرة.
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٠٥٠٧ ـ ٣٠٥٠٨).