والله أعلم.
وقوله : (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ظاهر.
ثم قوله : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً).
لا يمكن العمل بها على قول المعتزلة ؛ لأن رحمة الله عندهم لا تسع لذنب واحد ، فإنه ليس له أن يعفو عنه ؛ فإن عندهم أن من ارتكب كبيرة ، ليس له أن يرحمه ، ولكن يعاقبه ـ على زعمهم ـ خالدا مخلدا ، وإذا كان [هذا] قولهم ومذهبهم ، فليست رحمته بواسعة بزعمهم.
ثم يقولون ـ أيضا ـ : إن الله تعالى قد هدى كل كافر وأعطاه ما يهتدي به ، لكنه لم يهتد به ، وأنه لم يبق عنده ما يهديه به ؛ فعلى هذا القول رحمته لا تتسع لهداية الكافر ، فإذن رحمة الله بزعمهم على خلاف ما ذكر الله تعالى ووصفها بالسعة ، والله الموفق.
وأما عندنا فهو ما ذكرنا من جمع الكل في ذلك ؛ لما ذكرنا أن تلك الرحمة هي الرحمة الدنيوية ، أو ما ذكرنا من كون اللطائف عنده من أعطاها اهتدى ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) هذا يخرج على وجوه :
أحدها : أن الوعد كان منه لجملة المؤمنين ، فسألوا أن يدخل قوم على الإشارة والتيقين في جملة ذلك الوعد ؛ لاحتمال خصوص في الجملة ، والله أعلم.
والثاني : سألوه أن يجيبهم على الأسباب والأعمال التي يستوجبون ذلك ، والله أعلم.
والثالث : يجوز أن يكون الوعد لهم بشرط الذي سألوه ، والله تعالى عالم في الأزل : أنه يوجد ذلك الشرط وهو سؤالهم ؛ فيكون لهم ذلك الوعد ، ومثل ذلك جائز ، قال الله تعالى : (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) [مريم : ٧١] إنما يعذبهم بسؤال هؤلاء على ذلك كان : إنما تقديره : أنه لا يعذبهم إذا سألوا ، وعلم أنهم سألوا ؛ وعلى ذلك الحديث الوارد : أن الصدقة تزيد في العمر ، جرى تقديره [في] الأزل أنه يوجد منه الصدقة ، فيكون عمره زائدا ؛ على ما لو علم أنه لا يتصدق ، وإنما لا يجوز التعليق بالشرط في حق الله تعالى على نحو ما يكون في حق العباد أن يوجد عند وجود الشرط ، ولا يوجد عند عدمه ، ولا علم لهم بعاقبة ذلك ، والله تعالى عالم بالعواقب ، فمتى علق بشرط كان ذلك منه في الأزل حكما على أن يوجد مع ذلك الشرط لا محالة ، لما علم وجود ذلك الشرط مع علمه أنه لو لم يكن ذلك الشرط كيف كان ، والله الموفق.
أما ظاهر الآية أنه إذا وعدها لهم ، لأدخلها لا محالة فيها ؛ فلا معنى للسؤال في ذلك لما يخرج السؤال في مثله مخرج السؤال في تصديق الوعد والامتناع عن الخلف ، ولكن