وقوله : (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ).
قال بعضهم (١) : (نُزُلاً) أي : رزقا من غفور رحيم وهو من الإنزال ، وقال بعضهم : (نُزُلاً) أي : إنزالا في المنزل من غفور رحيم ، والله أعلم.
وقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً).
كأنه يقول : ومن أحسن مذهبا ومسيرة ممن دعا إلى الله ، أي : إلى توحيد الله ودينه ، أو دعا إلى المعروف والنهي عن المنكر ، أي : دعا غيره إلى ذلك وعمل بنفسه ، وهذا الحرف يجمع جميع الخيرات والطاعات ، فإن كان قوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً) على ما ذكرنا من المذاهب والسيرة فكأنه يقول : ومن أحكم وأتقن مذهبا وسيرة ممن ذكر ، وإن كان على حقيقة القول فيكون قوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً) أي : ومن أصدق قولا ممن قال ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
أي : اختار الانتساب إلى الإسلام من بين غيره من الأديان والمذاهب ، وقد أبى سائر الفرق الانتساب إلى الاسلام سوى أهل الإسلام.
والثاني : انتسب إلى ما خص الله سبحانه وتعالى تسميتهم به وهو الإسلام ؛ كقوله تعالى : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [الحج : ٧٨] ، وقوله : (أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة : ١٢٨] ، وقال في حق إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [البقرة : ١٣١] ، ويكون اسم المؤمن خاصّا لأهل الحق ؛ فإن اليهود والنصارى سلموا أنفسهم مؤمنين ، ولا يمتنعون عن إطلاق اسم المؤمن ويمتنعون عن إطلاق اسم المسلم ؛ ولهذا يقال : دار الإسلام ، ولا يقال : دار الإيمان ، وإن كان الإسلام والإيمان واحدا ؛ لاختصاص هذا الاسم بهؤلاء ، والله أعلم.
أو يقال : إنه اختار النسبة إلى الإسلام ، وغيرهم من الناس انتسبوا إلى ما لهم من العز في الدنيا والشرف فيها ، وغير ذلك من الأسباب التي كانت لهم في الدنيا.
ثم اختلف فيه :
قال بعضهم (٢) : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال بعضهم (٣) : هو المؤذنون ، وعلى ذلك رويت الأخبار أنها نزلت في المؤذنين.
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٤ / ١١٤).
(٢) قاله السدي وابن زيد أخرجه ابن جرير (٣٠٥٤١ ـ ٣٠٥٤٢) ، وهو قول الحسن وابن سيرين أيضا.
(٣) قالته عائشة ـ رضي الله عنها ـ أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ٦٨٤) ، وهو قول عكرمة ، وقيس بن أبي حازم أيضا.