سورة الملك [وهي](١) مكية
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ)(٥)
قوله ـ عزوجل ـ : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ).
قيل : تعالى وتعاظم ، و (تَبارَكَ) تفاعل من البركة ، والبركة كناية عن نفي كل عيب ؛ قال ـ عزوجل ـ : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) [ق : ٩] أي : ماء لا كدورة فيه ولا قذر ، بل هو ماء مطهر من كل آفة وعيب ، فمعنى قوله : (تَبارَكَ) أي : تعالى من أن يكون له شبيه وعديل ، وتعاظم عما قالت فيه الملاحدة ومن أن يلحقه المعايب والآفات.
وقوله : (بِيَدِهِ الْمُلْكُ).
أي : الذي له ملك الملك ؛ لأنه قال في موضع آخر : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) [آل عمران : ٢٦] [أي : الذي له الملك](٢) ، فذكر اليد هاهنا مكان المالك هناك ؛ فامتدح ـ جل وعلا ـ بملك الملك وكونه مالكا له.
والمعتزلة يقولون بأن ملك ملك الكفرة ليس له ، وأنه لا يولي الملك للكافر ، ويقولون في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) [البقرة : ٢٥٨] أن الذي آتاه الله الملك هو إبراهيم ـ عليهالسلام ـ والهاء تنصرف إليه ، لا إلى الذي حاجه ، وإذا لم يجعلوا ملك ملك الكافر في يده ، لم يصر ممتدحا بما ذكرنا ؛ لأنه يكون في يده بعض الملك لا كله ، وقال في آية أخرى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦] ، وعلى قولهم (٣) يصير الملك في يد من لا يشاء ؛ لأنه لا يشاء الملك للكافر ، ومع ذلك يوجد فيهم الملك.
ثم ما ينبغي لهم أن يقطعوا القول بأن الله تعالى لا يؤتي الملك للكافر ، بل عليهم أن يقولوا : إن كان إيتاء الملك أصلح لهم آتاهم إياه ، وإن كان شرّا لهم لم يؤتهم ؛ إذ من
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : هذا.