الأرض ويلقونها إلى أهل الأرض بعد ما يخلطونها بأكاذيب من عند أنفسهم فيشبهون على الخلائق ويضلونهم بذلك عن سبيل الله تعالى ؛ فملأ الله ـ تعالى ـ السماء بالحرس والشهب ؛ ليدفعوا الشياطين عن استراق السمع ؛ ليكون تبليغ الأخبار إلى أهل الأرض بمن يؤمن عليه الكذب ، وهو الرسول ـ عليهالسلام ـ فتسلم تلك الأخبار عن التخاليط والشبه ؛ فيسلم الناس عن الوقوع في الظلمات.
ثم يكون في جعل النجوم زينة للسماء : أن أهل [السماء ابتلوا](١) أيهم أحسن عملا؟ كما ابتلي به أهل الأرض ؛ ألا ترى إلى ما ذكر في أهل الأرض من قوله : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الكهف : ٧] فأخبر أن الزينة للامتحان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ).
ففيه أنهم وإن عذبوا بالنيران التي جعلت في النجوم الرجوم ، لا يدفع عنهم ما استوجبوا من العذاب الدائم ، بل قد أعد لهم عذاب السعير ، كما أعد لغيرهم من الشياطين وأهل الكفر.
قوله تعالى : (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(١٤)
[وقوله : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) فالمصير : هو الطريق ، أي : فبئس الطريق طريق من سلكه أفضى به إلى عذاب السعير](٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً).
الشهيق : هو الصوت المنكر.
ثم من الناس من يقول : (سَمِعُوا لَها) ، أي : لجهنم.
ومنهم من جعل الشهيق من أهلها ، وقد يجوز (٣) أن يذكر المكان والمراد منه الأهل ؛ كما قال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) [الطلاق : ٨] ، وكلا الأمرين يحتمل عندنا ، ولا
__________________
(١) في ب : السماء الدنيا وابتلوا.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : تجاوز.