وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ).
أي : بكل شيء لطف أو جل أو استتر أو ظهر أو اختلط بغيره أو تميز ، فهو بصير يبلغه إلى أجله الذي ضرب له ، ويأتيه بالرزق الذي قدر له.
أو بصير بأفعال الخلق ما كان وما يكون ؛ لأنه ذكر على أثر ذكر الأفعال ، وهو قوله : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) [الملك : ١٣ ، ١٤].
ثم في قوله : (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) ترهيب وترغيب وإلزام المراقبة والتيقظ والتبصر (١) ؛ وكذلك في قوله : أنه (عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [هود : ٥٧] و (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٩] ؛ لأن من علم أن عليه حافظا ورقيبا يعلم بكل شيء يتعاطاه فهو لا يتعاطى إلا المحمود من الفعال والمرضي منها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ).
فهذا صلة قوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) ، وقوله : (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) ، ثم قال : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) إذا خسف بكم الأرض وأرسل عليكم حاصبا من السماء.
وجائز أن يكون على التقديم والتأخير ؛ فيكون معناه : أمن هذا الذي هو جند لكم من دون الرحمن ينصركم من عذاب الله إن حل بكم.
أو يكون قوله : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) يدفع عنكم العذاب من دون الله إذا حل بكم.
وجائز أن يكون أريد بالجند : آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى ، فكانوا يعبدونها لتنصرهم ويعزوا بها ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) [مريم : ٨١] ، وقال : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) [يس : ٧٤] ، ثم هم قد علموا أنها لا تقوم بنصرهم ولا تدفع الذل عنهم فيعزوا بها ؛ لأنهم كانوا يفزعون إلى الله تعالى عند ما يحل [بهم الشدائد](٢) والذل ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) [الزمر : ٨] ، ويتركون الفزع إلى آلهتهم ؛ لعلمهم أنها لا تعزهم ولا تنصرهم ، فذكرهم في حالة الأمن ما قد عرفوا وقوعه في حالة الخوف ؛ لينقلعوا عن عبادة الأصنام ويقبلوا على عبادة رب الأنام ؛ ليدفع عنهم الشدائد والأهوال والآلام إذا حلت بهم من خاص أو عام ، ويقوم بعزهم إذا لحقهم الذل.
__________________
(١) في أ : والتوسط.
(٢) في ب : بهم من الشدائد.