وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ).
أي : اغتروا في عبادتهم آلهتهم ؛ لتقوم بنصرهم وعزهم ، مع ما علموا أنها لا تدفع عنهم شدة ولا تحصل لهم عزّا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ).
هم كانوا يرجون رزقهم من السماء والأرض ، فيقول (١) : من [ذا](٢) الذي يرزقكم إن لم يرسل عليكم من السماء مطرا ، ولا زلل لكم الأرض للنبات.
وقد علموا أيضا أن لا رازق لهم غير الله تعالى ؛ لأنهم كانوا يفزعون إليه بالسؤال للرزق عند ما يبلون بالقحط والجدوبة ، فذكرهم في حال السعة ما له عليهم من عظيم النعمة في توسيع الرزق عليهم ؛ ليشكروه ولا يكفروه.
وقوله (٣) ـ عزوجل ـ : (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ).
فالعاتي : هو المارد الشديد السفه ؛ فكأنه يقول : لجوا وعتوا في قبول الحق ، وتمادوا في طغيانهم ، ولم يتذكروا ولم يراقبوا الله تعالى ، ولم يشكروا له ، بل بعدوا عن قبول ذلك كله ، فقوله : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) ، وقوله : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) يخرج على أوجه ثلاثة :
أحدها : على التخويف والتهويل.
والثاني : على التنبيه والتذكير ، وتسفيه أحلامهم.
والثالث : على البشارة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالنصر له [وبإجابة دعوته](٤) على أهل الكفر.
فوجه التنبيه (٥) والتذكير وتسفيه الأحلام ما ذكرنا : أنهم قوم كانوا يعبدون الأصنام لتنصرهم وتعزهم في الدنيا ، وليبتغوا به الرزق من عندها ؛ إذ هم كانوا لا يؤمنون بالبعث ؛ ليطلبوا بعبادتها عين (٦) الآخرة والنصر فيها ، وإنما كانوا يطمعون ذلك منها في الدنيا ، ثم هم في الدنيا كانوا إذا نزلت بهم الشدة والفزع تضرعوا إلى الله تعالى ، كما قال : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧] ، ولم يكونوا يفزعون إلى أصنامهم ؛ فكيف اتخذوها جندا ينصرهم عند النوائب ، وقد أحاط علمهم أنها لا تنصرهم
__________________
(١) في ب : فيقولون.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : ثم قوله.
(٤) في ب : وبالإجابة لدعوته.
(٥) في أ : ووجه التشبيه.
(٦) في أ : عن.