ولا تغني عنهم من عذاب الله شيئا؟! فيكون فيه تسفيه أحلامهم ، وتنبيه من عذاب الله ؛ ليمنعهم ذلك عن عبادة غير الله تعالى ، ويدعوهم إلى عبادة من يملك دفع الشدائد عنهم إذا حلت بهم.
وأما وجه التخويف ، فهو (١) : أنه يجوز أن يكون قيل لهم هذا عند ما ابتلوا بالشدائد وضيق العيش ، فيقول لهم : استنصروا من آلهتكم واسألوا الرزق من عندها ، هل يملكون لكم رزقا أو يدفعون عنكم ذلا ، وهل يقوون على نصركم؟!
وجائز أن يكون فيه بشارة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بالنصر له [وبإجابة دعوته](٢) وقد وجد النصر له ؛ لأنه غلب عليهم يوم فتح مكة ، ولم يتهيأ لأهلها أن ينتصروا ، بل غلبوا وقهروا وفاز رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالغلبة والقهر ومن كان معه حتى استكانوا ولانوا وتضرعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك حتى دعا لهم ، وابتلوا أيضا بالقحط والسنين ؛ بدعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٣) حتى رفع الله عنهم القحط.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
ففي هذه الآية تذكير وتنبيه وتخويف وتهويل وتعريف حال هي على خلاف ما هم عليها في الحال.
ثم ذكر الصراط في الذي يمشي [سويّا ، ولم يذكر الصراط في الذي يمشي](٤) مكبّا ، فهو على الإضمار كأنه يقول : أفمن يمشي مكبّا على غير الصراط أهدى ، أمن يمشي سويّا على [صراط مستقيم](٥)؟! فيكون هذا تذكيرا وتنبيها وتسفيها لأحلامهم ؛ لأن الذين آثروا الإيمان وسلكوا طريقه ، فإنما سلكوا بالحجج والبراهين ، والذين آثروا الكفر آثروه من غير حجة ، بل حيرتهم وسفههم هما اللذان دعواهم إلى التزام الكفر [والتدين به](٦) ، ومن آثر [الحيرة والعمى](٧) على الهدى والرشاد فهو سفيه.
وجائز أن يكون قوله : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى) أي : أهدى طريقا ، أم الذي يمشي سويا على صراط مستقيم ، وحق هذا الكلام أن يقال : بل الذي يمشي على صراط
__________________
(١) في أ : التخفيف هو.
(٢) في ب : وبالإجابة لدعوته.
(٣) زاد في ب : عليهم بالسعة.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : الصراط المستقيم.
(٦) في أ : والتدبر بهم.
(٧) في أ : الحياة والعمل.