مستقيم هو الأهدى من الذي يختار الطريق المعوج الزائغ عن الرشاد ، فيكون في الوجه الأول معنى التخويف والتذكير والتنبيه جميعا ، وفي الوجه الثاني تذكير وتنبيه.
وقولنا بأن فيه تعريف حال خلاف الحال التي هم عليها : أن كل واحد من الفريقين ـ أعني به : أهل الإسلام وأهل الكفر ـ يزعم أنهم على الهدى ، والفريق الآخر على الضلال ، وإذا اتفقت الدعاوي على تضليل أحد الفريقين ، ثم لا بد أن يكون جزاء الضال (١) غير جزاء المهتدي ، وجزاء الولي غير جزاء العدو.
ثم الدنيا تمر على الفريقين على جهة واحدة ؛ فلا بد من تثبيت دار أخرى ، والقول بها للجزاء ، فيكون فيما ذكروا إيجاب القول بالبعث والإقرار به ، فهذا الذي ذكرنا هو يعرفهما خلاف الحالة التي هم عليها ؛ ولأن الذي يمشي مكبا على غير الطريق هو الأعمى الذي لا يبصر ، [و] المقعد الذي لا يقوى على المشي ، والذي يمشي سويا على صراط مستقيم هو الذي ليست به زمانة ولا به عمى يمنعه عن الصراط ؛ فيكون قوله : (يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) هو الأعمى ، والذي يمشي سويا على صراط مستقيم هو السميع البصير ؛ فيكون معناه ما قال في سورة هود : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) [هود : ٢٤].
قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٣٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ).
فهذه الآية صلة قوله : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) [الملك : ٢] ، وصلة قوله : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) [الملك : ٣] ، وقوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) [الملك : ١٥] ، ثم في ذكر الإنشاء وجعل السمع والأبصار والأفئدة تذكير قوته وسلطانه وعلمه وحكمته وآلائه وتعاليه عن الأشباه والأمثال :
فوجه [تذكيره القوة](٢) والسلطان والعلم والحكمة ما يوصف بعد هذا ، ويذكر في
__________________
(١) في أ ، ب : الضلال.
(٢) في أ : تذكير الوجه.