كنا في إرادة الله ـ تعالى ـ من الكائنين ، والله أعلم.
أو ذكر ذلك منّة منه على الأبناء بصنيعه بالآباء ؛ ليعلم أن على الأبناء شكر ما أحسن إلى آبائهم وأجدادهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها) فوجه التذكرة فيه : أن أهل مكة أبوا إجابة الرسول ، وقالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] فذكرهم أنهم ، أولاد من حملوا مع نوح ـ عليهالسلام ـ في السفينة ، وهم إنما استوجبوا النجاة ، وشرفوا في الدارين جميعا باتباعهم الرسل ، فما لكم لا تتبعونهم في تصديق الرسل دون أن تتبعوا المكذبين للرسل ، أو يذكرهم كذبهم في قولهم : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢] ، بل قد وجدتم آباءكم على خلاف ما أنتم عليه ، وقد تعلمون أن آباءكم هم الذين اتبعوا نوحا فنجوا ، وهم المؤمنون دون الكفرة.
ووجه آخر : أنه ذكرهم أحوال المكذبين ، وإلى ما ذا آل أمرهم من الغرق والهلاك ؛ فيكون فيه تخويف من كذب من أهل مكة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فصارت تلك الجارية وهي السفينة موعظة وتذكرة تذكرهم عواقب المصدقين بالرسل والمكذبين لهم (١).
أو ذكرهم عظيم نعمه على آبائهم الذين حملوا في السفينة ؛ ليستأدي منهم شكر ذلك.
وقال بعضهم (٢) : كم من سفينة قد هلكت منذ ذلك الوقت وهي قائمة في موضع كذا عبرة وتذكرة.
ثم التذكرة تخرج على وجهين :
أحدهما : أن يراد بها الآية والعبرة ؛ أي : جعلنا لكم ذلك ؛ لتعتبروا ، وتكون آية لكم على وحدانية الله ـ تعالى ـ وقدرته ؛ كقوله : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [العنكبوت : ١٥].
والثاني : أي : جعلنا تلك الأنباء تذكرة لكم ؛ أي : جعلناها قرآنا تقرءونها وتذكرونها إلى آخر الأبد ؛ فتشكرون الله ـ تعالى ـ على ما صنع إليكم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) يقال : وعى الشيء : إذا حفظه ، وأوعاه : إذا حفظه بإناء أو غيره ؛ أي : تحفظها أذن واعية ؛ بمعنى : حافظة ؛ فأضاف الوعي والحفظ إلى الأذن ، والأذن لا تعي ؛ بل تسمع ، ثم يعيه القلب ، ولكن نسب الوعي [إلى](٣)
__________________
(١) في ب : بهم.
(٢) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٤٧٦٤) وعبد بن حميد وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٤٠٧).
(٣) سقط في ب.