الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر : ١٦] ليس فيه أن الملك كان لغيره ، ولكن بعض الناس كانوا يدعون الإشراك في الملك في الدنيا ، فيتركون في ذلك اليوم دعواهم ، ويتيقنون أنه هو المنفرد بالملك ، وعلى ذلك قوله ـ تعالى ـ (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً) [إبراهيم : ٢١] ولم يكونوا بمختفين عنه قبل ذلك ؛ بل كانوا له في [كل](١) وقت بارزين ، ولكن من أنكر ادعاء الإخفاء في الدنيا يدع في ذلك اليوم ، ويقر بالبروز ، والله المستعان.
ثم روي في الخبر «أن العرضات ثلاث : عرضتان فيهما خصومات ومعاذير» ؛ أي : يختصمون ويتنازعون ، فإذا ظهر ذلك جعلوا يعتذرون ، ويسألون ربهم العفو والصفح عن ذنوبهم وخصومهم ، و «العرضة الثالثة عند تطاير الصحف».
ومعنى قوله : (تُعْرَضُونَ) أي : يعرض الخلق بعضهم على بعض حتى لا يخفى على أحد خصمه.
أو تعرض أعمالهم حتى يذكر كل أحد صنيعه ، وكل خصم خصومته ؛ فكأنهم قد نسوا ذلك من كثرة الفزع وشدة الأهوال ، لكن الله ـ تعالى ـ يطلعهم على ذلك حتى يذكروا ذلك ، والله أعلم.
قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ)(٢٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) ظاهر ما جرى به الخطاب في القرآن يوجب أن يرحم المؤمنون جميعا فلا يعذبون في الآخرة ، ويعذب الكافرون ولا يرحمون ؛ لأنه قسم الخلق يوم القيامة صنفين : فجعل صنفا [منهم أهل](٢) اليمين ، وصنفا أهل الشمال ، ثم وصف كل واحد من الصنفين بأعلام ثلاثة : فذكر مرة أنه يخف ميزانهم بقوله : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) [المؤمنون : ١٠٣] ، وذكر مرة أن وجوههم تسود ، وذكر مرة أنهم يعطون كتابهم بشمالهم ؛ فهذه الأعلام ذكرها في أحد الصنفين ، وذكر في الصنف الثاني ، ووصفهم بأعلام ثلاثة : ببياض الوجوه ، وبثقل الميزان ، وبإعطاء الكتاب بأيمانهم.
ثم فيما فيه سواد الوجوه ذكر فيه : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) [آل عمران : ١٠٦] ، وكذلك حين ذكر خفة الميزان ذكر في آخره ما يبين أن الذين خفت موازينهم هم الكفرة ؛ لأنه قال : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : منهم من.