اللفظة [يذكرها الناس في كل مكروه](١) من الأمور ؛ ألا ترى أن الناس يدعون الله ـ تعالى ـ بأن يصرف عنهم قضاء السوء ، وليس بقضاء الله ؛ بل هو مقضيه ؛ فخرج القول على ما تعارفوا ، وهذا كما يقال : (الصلاة أمر الله) ، وليست هي بأمره ، ولكن تأويله : أنها بأمره ما تقام ، فسمي أيضا قضاء الله ، وهو في الحقيقة مقضيه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) فالأصل أن الكفرة كانوا يفتخرون بكثرة أموالهم ، فيقولون : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ : ٣٥] فيزعمون أن الله ـ تعالى ـ بما آتاهم من الأموال يدفعون عن أنفسهم العذاب بأموالهم إن حل بهم ، فيتبين لهم في ذلك الوقت أنها لا تغني عنهم شيئا ، فيقول كل واحد منهم : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ).
وقوله ـ تعالى ـ : (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) ذكر عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : كل سلطان في القرآن فهو حجة ، فالأصل : أن الكافر كان يحتج في الدنيا لنفسه بحجج باطلة ، فمرة يقول : (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [الشورى : ١٥٤] ، ويقول مرة : (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأحقاف : ١٧] ، ومرة يقول : هذا سحر ، ومرة يقول : هو مجنون ، وغير ذلك ، فيعبر بقوله : (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) أي : هلكت تلك الحجج التي [كنا](٢) نتشبث بها ، واضمحلت ، وظننا أنها حجج.
ومنهم من يقول : السلطان : هو القدر والشرف ؛ أي : ذهب ذلك كله.
وقيل : أي : هلك عني (٣) تكبّري وسلطاني على الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ في الدنيا وترك الاكتراث إليهم.
وجائز أن يكون أراد به : أن السلطان الذي كان لي على نفسي في الدنيا قد انقطع ؛ لأنه كان يملك استعمالها في مرضات الله ـ تعالى ـ فيقول : قد انقطع ذلك السلطان ؛ لأني لا أملك استعمالها فيما أستوجب به مرضاة الله ؛ لأنه يسلم فلا يقبل منه إسلامه (٤).
ثم يجوز أن تكون الهاءات في هذه الخطابات (٥) على معنى الإشارات (٦) إلى الأنفس ، أو على تأكيد الأمر والمبالغة : كالنسابة (٧) ، أو كأنهم ينادون أنفسهم بذلك ، وقد تدخل الهاء في النداء ؛ كقوله يا ربّاه ، ويا سيّداه.
__________________
(١) في ب : تذكر ويراد بها المكروه.
(٢) سقط في ب.
(٣) زاد في ب : سلطانيه ، أي :
(٤) في ب : للإسلام.
(٥) في أ : الخطيئات.
(٦) في ب : الإشارة.
(٧) في أ : كالمتشابه.