وذكر عن أبي بكر الأصم أنه قال : في هذه [الآية] دلالة أن من وفى بهذه الأشياء التي ذكرها في هذه السورة من الإدامة على الصلاة ، وإيتاء الحق المعلوم ، والتصديق بيوم الدين ... إلى آخر ما ذكر ـ فهو الذي يكرم بالجنة ، و (١) الخاطئ الذي يرجع عن خطيئته ويتوب عنها ، فأما غير هذين فهو لا يستوجب الإكرام بالجنة ، فما ذكر من الإكرام بالجنة للصنفين اللذين ذكرهما فهو كما ذكر ، وأما الصنف الثالث فهم الذين بلوا بالخطيئات من أهل الإيمان ولم يتوبوا عنها ، فقد يرجى لهم هذه الكرامة بعفو الله سبحانه وتعالى ، وكرمه وجوده ، ومن كان هذا وصفه لم يؤيس من إحسانه ، بل كان العفو منه مأمولا والإحسان منه مرجوّا.
قوله تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)(٤٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ. عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) اختلف في تأويل الإهطاع :
فمنهم من يقول : هو الإسراع في المشي.
ومنهم من يقول : هو إدامة النظر.
فمن حمله على الإسراع ، فمعناه : أن أئمة الكفر كانوا يأتون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيستمعون القرآن منه ، ثم يسرعون إلى أتباعهم ، ويجلسون حلقا حلقا ، ويحرفون ما يستمعون من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويلبسون على ضعفائهم وأتباعهم ؛ ليصدهم ذلك عن الإيمان بالله ـ عزوجل ـ ورسوله.
فإن كان الأمر على هذا فتأويله : ما لهم يسرعون إليك ليسمعوا كلامك ثم يتفرقوا عن اليمين وعن الشمال ويكذبونك ، نحو أن يقول بعضهم : ما هذا إلا سحر مبين (٢) ، و : (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأحقاف : ٤٦] ، (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ)(٣) [المؤمنون : ٣٨] ، ونحو ذلك.
__________________
(١) في ب : أو.
(٢) في ب : مفترى.
(٣) في ب : إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ.