لحما ، فليس في الآية دلالة ما ذكر (١).
بل فيها أن الجن قد امتحنوا بالعبادة كما امتحن بها الإنس ، وأنهم إذا عصوا ربهم استوجبوا العقاب (٢) مثل ما يستوجبه الإنس.
ثم ذكر عن أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ أنه قال : ليس للجن ثواب ، وعليهم العقاب إذا عصوا.
ومعنى قوله : ليس لهم ثواب عندنا ، ليس يريد به أن الله تعالى لا يرضى عنهم إذا عبدوه ، ولا تعظم منزلتهم عنده ، ولكنه يريد به أن الذي وعد للإنس من المآكل والمشارب والأزواج الحسان والحور في الجنة على الخلود ـ ليس لهم فيها ؛ لأن الوعد من الله تعالى بها جرى للإنس ، ولم يجر الوعد للجن ، ولا ذكر ذلك في شيء من القرآن ، والذي وعد به الإنس طريقه الإفضال والإنعام ، لا أن يكون ذلك حقّا للإنس قبله ، فإذا لم يجر لهم الوعد بذلك ، لم يجب القول لهم بالموعود.
وأما العقاب فإن الحكمة توجب التعذيب لمن كفر به ؛ فلا يجوز أن تكون الحكمة توجب تعذيب الكفرة ، ثم لا يعذب الجن إذا كفروا ؛ فلذلك وجب القول بعقابهم ، ولم يجب القول بالثواب ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) ، اختلف فيه :
فمنهم من قال : طريقة الهدى.
ومنهم من قال : طريقة الكفر.
فمن قال : المراد : هو طريقة الهدى ، قالوا : إن الطريقة المعروفة المعهودة هي طريق الله تعالى ، فعند الإطلاق ، تنصرف إليه ؛ كالدين متى ذكر مطلقا ينصرف إلى دين الحق ، وكذلك : السبيل المطلق (٣) ؛ قال الله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] ، وهو الإسلام.
ثم يخرج هذا على وجوه :
أحدها : ينصرف إلى الكفرة أنهم : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) ، أي : لو أجابوا إلى ما يدعون إليه من الهدى ، (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) ، أي : وسعنا عليهم العيش ، وكثرنا أموالهم ، ويكون ذكر الماء هاهنا كناية عن السعة ؛ لأن سعة الدنيا كلها تتصل بالماء ، والماء أصلها ؛ قال الله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) [الذاريات : ٢٢] ، فأخبر أن رزق الخلق في السماء ، والذي ينزل من السماء الماء ، وهو المطر ، وجعل ذلك رزقا ، إذ هو
__________________
(١) في أ : الإنس.
(٢) في أ : الصفات.
(٣) في ب : كذلك.