أصل رزق الخلق ؛ فكذلك ذكر [الماء](١) هاهنا كناية عن السعة من الوجه الذي ذكرنا.
فإن كان على هذا ؛ فيكون الخطاب راجعا إلى الوقت الذي كانوا ابتلوا فيه بالقحط والسنين ؛ فوعد لهم أنهم لو أجابوا إلى ما دعوا إليه يرفع عنهم القحط والسنين ، ويوسع عليهم في الرزق ، وهو كقول نوح وهود وغيرهما ، ووعدهم قومهم بإرسال الأمطار ، وتكثير الأنزال (٢) والأموال والأولاد ونحوه.
ويجوز أن يكون هذا في أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فإنهم كانوا في أول (٣) الإسلام في ضيق الحال ، وشدة من العيش ، وكانوا يتفرقون في الشعاب والأودية ؛ لشدة ما حل بهم من الجوع ؛ ليصيبوا من عشبها (٤) ، وعند اشتداد الحال تخاف النفس من إهلاكها والتبديل ، فوعدوا السعة في العيش (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) التي كانوا عليها ، أي : داموا عليها ولم يبدلوا الدين بالهوى والحق بالباطل ، كما وعد لهم النصر والظفر على الأعداء ، مع قلة أنصارهم إن داموا على الإسلام.
ويحتمل ما قال بعضهم : أن تأويل قوله : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) أي : لو أسلم أهل الأرض كلهم جميعا ، لوسعنا عليهم الدنيا ، وكثرنا أموالهم وأولادهم ؛ حتى يفتنوا فيها ويمتحنوا بمحن شديدة ، فيتحمل البعض منهم فيبقوا مؤمنين ، ولا يتحمل البعض فيبغون ويعودون إلى ما كانوا عليه من الكفر ؛ حتى لا يقع الخلف في وعدنا ؛ فإن الله تعالى وعد أن يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين ، ولا يجوز أن يقع في وعيده خلف ، وهم لو استقاموا على الطريقة ، ولم يبغوا ، أدى ذلك إلى خلف الوعيد ؛ لأنه لا يملؤه إذا داموا على الطريقة ولم يبغوا ، وتكون الحكمة في بغيهم أن يعرف الخلق أن الله ـ تعالى ـ لم يخلقهم لمنافع تحصل له ، ولكن خلقهم لأنفسهم : إن أحسنوا [أحسنوا](٥) لأنفسهم ، وإن أساءوا فعليهم ، ولو أبقاهم على الطريقة المستقيمة ، وظهرت الموالاة في الجملة ، لكان يسبق إلى الأوهام : أنه إنما خلقهم لمنافع نفسه.
وهذا من الله تعالى بيان علمه بما لا يكون أن لو كان كيف يكون ؛ إذ الله تعالى علم الإيمان من البعض ، والكفر من البعض ؛ للحكمة التي ذكرنا ، وغيرها مما يقف على بعضها الخلق دون البعض ، وحكم بذلك ، ثم أخبر أنه لو حكم بأن يستقيم الكل على
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : الأمطار.
(٣) في ب : ابتداء.
(٤) في أ : عيشها.
(٥) سقط في ب.