طريقة الحق ، ويؤمنوا ، لم يحكم على طريق الأبد في حق الكل ، بل حكمه أن يستقيم عليها البعض إلى مدة ، ثم يترك ، ويبدل الحق بالباطل ويدوم البعض عليها ؛ تحقيقا لما ذكرنا من الحكمة ؛ وهو كقوله تعالى : (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤] ، أي : لو لم نفرض عليهم الجهاد والخروج إلى القتال ، لبرز الذين [منتهى آجالهم القتل](١) إلى حوائج أنفسهم ، فيقتلون ، بيانا منه لحكمه الذي يحكم أنه لو حكم كيف كان ؛ فكذا هذا.
وأما من قال : معناه : طريقة الكفر ، فهو أن يكون المراد من الاستقامة هاهنا : الإقامة ، ولفظة «الإقامة» يعبر بها عن الإقامة على الكفر والإسلام جميعا ، وتكون (الطَّرِيقَةِ) هاهنا إشارة إلى الطريقة التي كانوا عرفوها قبل الإسلام وهي الكفر ، وإن كانت الطريقة إذا أطلق ذكرها ، أريد بها طريقة الهدى ؛ لأن طريقة الكفر هي التي كانت معروفة فيما بينهم ، وكذلك ذكر أهل التأويل : أن الطريقة [هاهنا طريقة الكفر](٢) فقوله : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) ، أي : وسعنا عليهم ، وكثرنا أموالهم ؛ ليعلموا جود ربهم ؛ حيث بسط عليهم الرزق مع اختيارهم عداوته ؛ كما بسط الرزق على أوليائه ، وليعلموا أن حلمه يجاوز الحد حيث لم يؤاخذهم بذنوبهم ولم يعجل بإنزال النقمة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) فالفتنة : المحنة التي فيها الشدة ، فإن كان هذا في أهل الكفر ، ففي بسط الرزق عليهم محنة شديدة ؛ لأن ذلك يمنعهم عن الخضوع والانقياد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لما يروا من الفضل على من دونهم في المال والسعة ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) [سبأ : ٣٤] وكذلك قال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) [الأنعام : ١٢٣].
وإن كان التأويل منصرفا إلى أهل الإسلام ، ففي التوسيع عليهم محنة شديدة ؛ وكذلك جميع ما امتحنا به فيه شدة ، قال الله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] فما من حال تعترض الإنسان إلا وله فيها شدة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) : جائز أن يكون : ومن يعرض عن طاعة ربه وعبادته ، أو يعرض عن توحيده ، أو يعرض عن القرآن ؛ إذ هو ذكر.
والإعراض هاهنا عبارة عن الإيثار والاختيار ، أي : من يختار ذكر غير الله تعالى على ذكره ، أو طاعة غيره على طاعته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) ، وقال في موضع آخر : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً)
__________________
(١) في أ : كتب عليهم القتل منتهى آجالهم.
(٢) سقط في ب.