ويتوسعوا به في أمر دنياهم من غير حجة لهم في ذلك.
وبهذا الفصل الذي ذكرنا يحتج على الثنوية ؛ فإن من مذهبهم تحريم القتل والذبح ، وأحق من يرى القتل والذبح مباحين هم ؛ لأن من مذهبهم : أن العالم إنما هو بامتزاج النور والظلمة ، فما من جزء من أجزاء النور إلا هو مشوب بجزء من أجزاء الظلمة ، وكانا متباينين ، فغلبت الظلمة على النور ، فامتزجت به ؛ فصارت الظلمة حابسة (١) للنور ، ومعلوم أن (٢) في القتل تخليص أجزاء النوراني من [حبس الظلمات](٣) ؛ لأن في القتل إزالة السمع والبصر والعقل ، ومعلوم أن السمع (٤) والبصر في هذه الأشياء ، إذ بها رؤية الأنوار ، فإذا امتازت هذه الأشياء من الجسد ، وبقي الجسد الظلماني لا يبصر شيئا ، فقد وصل جوهر النور إلى غرضه ومقصوده بالقتل ، وصار إلى مقره ، فإذا كان القتل يوصله إلى غرضه ويخلصه عن وثاق الظلمة وحبسه ، فقد أحسن القاتل إليه بالقتل والذبح ؛ فلا يجيء أن يجرّم القتل على مذهبهم : بل يجب أن يمدح المرء على ذلك الفعل ، ويستصوب (٥) ذلك منه.
وقال القتبي : القول الثقيل كلام الله تعالى ، وثقله : هو تبجيله وتعظيم حرمته ، ليس كلام السفهاء الذي لا يكترث به ، ولا يؤبه له (٦).
وقال الزجاج : الثقيل : الوزين ، [أي](٧) : الذي له وزن وقدر في القلوب ، الذي يجب أن يعظم ويوقر ، ليس بالقول الذي يستصغر.
وجائز أن يكون القول الثقيل [هو](٨) الحق ؛ على ما روي في بعض الأخبار : «إن الحق ثقيل مر ، والباطل خفيف وفر».
وروي عن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «حق لميزان لا يوضع فيه إلا الخير أن يثقل ، وحق لميزان لا يوضع (٩) فيه إلا الباطل أن يخف» ؛ فيكون ثقله العمل بما فيه.
__________________
(١) في أ : ملابسة.
(٢) في ب : بأن.
(٣) في ب : أجزاء الظلمات.
(٤) في أ : النور.
(٥) في ب : واستصوب.
(٦) في ب : به.
(٧) سقط في ب.
(٨) سقط في ب.
(٩) في أ : يوزن.