وجائز أن يكون القول الثقيل هو تكليف القيام عامة الليل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) :
قرئ : وطاء ووطئا ، فمن قرأ : وطاء بالمد ، فتأويله من المواطأة ، وهي الموافقة ، أي : موافق للسمع ، والبصر ، والفؤاد ؛ لأن القلب يكون أفرغ بالليالى عن الأشغال التي تحول المرء عن الوصول إلى حقيقة درك [معاني الأشياء](١) ، وكذلك السمع والبصر يكون أحفظ للقرآن ، وأشد استدراكا لمعانيه.
ومن قرأه : (وَطْئاً) ، فهو من الوطء بالأقدام (٢) ؛ فتأويله : أنه أشد على البدن وأصعب ؛ لأن المرء قد اعتاد التقلب والانتشار في الأرض بالنهار ، ولم يعتد ذلك بالليل ، بل اعتاد الراحة فيه ، فإذا كلف القيام والانتصاب برجليه في الوقت الذي لم يعتد فيه القيام ، كان ذلك أشد عليه وأصعب على بدنه.
ولأن المرء بالنهار ليس ينتصب قائما في مكان واحد ، فيمكث فيه [كذلك](٣) ؛ بل ينتقل من موضع إلى موضع ، ولو كلف الانتصاب في مكان اشتد عليه ذلك ، ولحقه الكلال والعناء من ذلك.
ثم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينتصب قائما يصلي إلى نصف الليل أو أكثر ؛ فكان في ذلك محنة شديدة ، وكلفة شاقة ، والله أعلم.
ثم الأصل أن المرء ينتشر (٤) بالنهار ؛ لطلب ما يعيش به وليصل إلى ما يتمتع به في أمر دنياه ، وينام الليل ؛ طلبا للراحة ، وإيثارا للتخفيف ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ممنوعا عن اكتساب الأشياء التي يتوصل بها إلى سعة الدنيا إلا القدر الذي يقيم به مهجته ، وكذلك منع عن الراحة بالليالي ، وأمر بإحياء الليل إلا القدر الذي لا بد منه ، والله أعلم.
وجائز أن يكون في الأمر بقيام الليل نوع [من الراحة والتخفيف](٥) ؛ وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألزم بتبليغ الرسالة إلى الناس كافة ، فحمّل تبليغها إليهم بالنهار ، ورفعت عنه الكلفة بالليل ، وأمر بأن يتفرغ لعبادة ربه ، وكان الأمر بالتفرغ للعبادة أيسر من الأمر بتبليغ الرسالة ؛ لأن في الأمر بالتبليغ أمرا بما فيه المخاطرة بالروح والجسد ، وليس في الأمر بالانتصاب قائما أكثر الليل ذلك ؛ وإنما فيه إيصال الوجع إلى بعض أعضائه ؛ فيكون
__________________
(١) في ب : المعاني.
(٢) في ب : بالقدم.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : يتيسر.
(٥) في ب : راحة وتخفيف.