فيه بعض التخفيف.
فإن قيل على التأويل [الأول](١) : كيف خص رسول الله صلىاللهعليهوسلم في باب النكاح ؛ حيث أبيح له فضل العدد ، ولم يبح لأمته ، وفي ذلك زيادة تمتع بشهوات الدنيا؟
فجوابه أن يقال : بأن المعنى الذي به حظر على غيره الزيادة على الأربع ، وقصر الأمر على الأربع هو خوف الجور ؛ ألا ترى إلى قوله ـ عزوجل ـ : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) [النساء : ٣] ، وإذا كان التحريم للوجه الذي ذكرنا ، ارتفع الحظر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ عصمه عن الجور ، ومكنه من العدل بين نسائه ، ثم ليس في إباحة زيادة العدد سوى فضل محنة وكلفة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم [لأنه إذا أمر أن يقوم فيما بينهن بالعدل ، وأن يبتغي مرضاتهن بحسن العشرة معهن ، وإنما يصل المرء إلى الإرضاء بالأموال ، ولم يتمتع هو من الدنيا مقدار ما يصل إلى إرضائهن بالأموال ، ولم يتهيأ له أن يصيبهن إلا بسعة الأخلاق ، وأن يبين (٢) لهن لتقر أعينهن ولا يحزن ـ فثبت أنه ليس في إباحة العدد فضل تمتع ، بل فيه زيادة محنة وابتلاء.
وفيه أيضا ما يحقق رسالته ، ويثبت نبوته ؛ لأن المرء إنما يصل إلى توفير الحقوق الواجبة عليه بالنكاح إذا تناول من فضول الدنيا وطعم لذاتها ، وأعطى النفس شهواتها ، ثم رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ممنوعا من إعطائه النفس شهواتها ، ومع ذلك قام بإيفاء حقوق الأزواج ؛ فثبت أنه باللطف من الله تعالى وصل إلى إيفاء حقهن ، ليس بأسباب البشرية.
وفي هذه الآية دلالة أن الصلاة تشتمل على الذكر والفعل جميعا ؛ لأنه قال : أشد على البدن ، وشدته تكون بالفعل ، وقال : (وَأَقْوَمُ قِيلاً) ، وذلك يرجع إلى الذكر.
ثم يجوز أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكلف تبليغ الرسالة بالليالي ؛ لأن أعداءه من الفراعنة وغيرهم كانت همتهم أن يقتلوه ويمكروا [به] ، ولم يكن يتهيأ لهم إيصال الأذى به ؛ لمكان أتباعه ، والليالي هي أوقات غفلة الأتباع ، [فلو] كلف التبليغ فيها لتمكنوا من إيصال المكر به ؛ فوضع عنه التبليغ ، وامتحنه بالقيام لعبادة ربه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) قيل : هو من نشأ ينشأ ، أي : نما ، فسميت : ناشئة ؛ لأن الأوقات تحدث ، وتترادف.
وجائز أن يكون المراد من ناشئة الليل ، أي : ما يوجد من الأحوال في الليل من القيام للصلاة ، والاشتغال بعبادة الرب ، جل جلاله.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ ، ب : بيتن.