وقوله : (وَأَقْوَمُ قِيلاً) ، أي : أصوب كلاما ، والأقوم : هو المبالغة في الوصف بما أريد بالقيام ؛ فإن أريد به الكلام ، فحقه أن نصرفه إلى الصدق ؛ إذ الأقوم من الأخبار أصدقها ، وإن أريد به القيام بقاء ما يقتضيه لك الكلام فمعنى قوله (أَقْوَمُ) ، أي : أبلغ في وفاء ما يوجبه القول ، وإن أريد [به] القراءة نفسها فهو بالليالي أقوم قراءة.
[و] قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) :
أي : فراغا وسعة ومنقلبا ؛ فالسبح يذكر ويراد به الفراغ ، ويذكر ويراد به المشي والتقلب ، وهذا الذي قالوه محتمل ، ولكن لا يجيء أن يصرف تأويل الآية إلى الفراغ ، والتقلب إلى حوائج نفسه ؛ لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن يتناول من الدنيا إلا قدر ما يقيم به مهجته ؛ فلا يحتاج إلى فضل تقلب ، ولا إلى كثير فراغ ؛ ليتوسع في أمر دنياه.
ولكن حقه أن يصرف قلبه إلى تبليغ الرسالة ، ودعاء الخلق إلى توحيد الله تعالى ، وإلى ما يحق عليهم ؛ فيكون في قوله : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) ترخيص لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في أن ينصب بالليالي للقيام بين يديه ، واجتزأ منه بتبليغ الرسالة بالنهار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) :
أي : اذكر ربك ؛ دليله قوله على أثره : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) ، والتبتل يقع إليه لا إلى اسمه ، ثم ذكر المولى ـ جل جلاله ـ هو أن ينظر إلى أحوال نفسه ، ما الذي يلزمه من العبادة في تلك الحال؟ فيكون ذكر ربه بإقامة تلك العبادة ، لا بأن يذكر الله تعالى بلسانه فقط ، وهو كقوله : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [نوح : ١٠] ، واستغفارهم أن يأتمروا بما أمروا ، وينتهوا عما نهوا ، لا أن يقولوا بألسنتهم : «نستغفر الله» ؛ لأنهم وإن قالوا «نستغفر الله» ، لم يقبل ذلك منهم إذا كانوا كفرة ؛ فثبت أن استغفارهم أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه نوح ؛ فكذلك ذكر الله تعالى يقع بوفاء ما يلزمهم حالة القيام به ، وذلك يكون بالأفعال مرة ، وبالأقوال ثانيا.
ومنهم من صرف الأمر إلى الاسم على ما يؤديه ظاهر اللفظ ، فأمر بذكر اسم الرب لما يحصل له من الفوائد بذكره ؛ لأن من أسمائه أسماء ترغبه في اكتساب الخيرات](١) والإقبال على [عبادة الرب](٢) ، ومنها ما يدعو الذاكر إلى الخوف والرهبة ، ومنها ما يوقفه على عجائب حكمته ، ولطيف تدبيره ، وتقرير سلطانه وعظمته في قلبه ، ومنها ما يحدث له زيادة علم وبصيرة ، وهي الأسماء المشتقة من الأفعال ، فإذا تأمل فيها عرف الوجه الذي
__________________
(١) من أول قوله : «لأنه إذا أمر» إلى هنا بياض في ب.
(٢) في أ : العبادة.