في [التدبر في](١) أمر السماء والأرض تحقيق ذلك.
وفي قوله ـ عزوجل ـ : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ، أي : الذي أمرت بذكره هو رب المشرق والمغرب ، وفيه تعريف الوجه الذي يوصل إلى معرفة ربوبيته.
وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، أي : لا معبود يستحق العبادة إلا هو ؛ لأن الذي يحمل الإنسان على عبادة المعبود الخوف والرجاء ، وإذا عرفهم بذكر المشرق والمغرب أن تدبير الخلائق كلها راجع إليه ، وأنه هو القاهر عليهم والقادر [عليهم](٢) ، وبيده الخزائن والمنافع أجمع ، علموا أنه هو الإله الحق ، والرب القاهر ، وأن من سواه مربوب مقهور ، لا يملك نفعا ولا ضرّا ، فكيف يستوجب العبادة والإلهية؟!.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) :
جائز أن يكون أراد به أن كل أمورك كلها إلى الله تعالى حتى يكون هو الذي يدبر ويحكم ، ولا تر لنفسك فيها تدبيرا.
والوكيل في الشاهد هو الذي يدخل في أمر آخر على جهة التبرع ؛ لينصره فيه ، ويعينه ؛ فيكون قوله : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) ، أي : اطلب من عنده النصر والمعونة ، والمرء في الشاهد إنما يفزع إلى الوكيل ؛ ليزيح [عن نفسه](٣) علله ، ويقضي عنه حوائجه ، ويقوم عنه في النوائب ؛ فكأنه يقول : افزع إلى الله تعالى في نوائبك ؛ فيكون هو الذي يزيح عنك العلل ، ويقضي عنك الحوائج ، ويكون معتمدك في النوائب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ)
قال أهل التفسير : تأويله : اصبر على تكذيبهم إياك ؛ ألا ترى إلى قوله في سياق الآية : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) ، فثبت أنه دعي إلى الصبر على التكذيب.
وجائز أن يكون منصرفا إلى هذا وإلى غيره ؛ لأنهم كانوا لا يقتصرون على تكذيبه ، بل كانوا ينسبونه إلى الكذب مرة ، وإلى السحر ثانيا ، وإلى الجنون ثالثا ، وإلى أنه يتيم رابعا ؛ فكانوا يؤذونه بأنواع الأذى ؛ فجائز أن يكون قوله : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) منصرفا إلى كل ذلك.
ثم الأمر بالصبر يقع بخصال ثلاث :
أحدها : ألا تجازهم على تكذيبهم إياك تكذيبك إياهم ، أو لا تجزع عليهم ، وفي
__________________
(١) في أ : التدبير.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : عنه.