يذكر «عليكم» ويراد به «لكم» كقوله : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣] ، أي : للنصب ؛ لأنهم كانوا يذبحون لها ، لا عليها.
وخص ذكر موسى ـ عليهالسلام ـ وفرعون من بين الجملة ؛ ففائدة ذكر التخصيص هو ـ والله أعلم ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان منشؤه (١) بين ظهراني الذين كذبوه ، ولم يكن وقفوا منه على كذبة قط ؛ بل كانوا عرفوه بالصيانة والعدالة ، وكان بمحل يرونه أهلا للشهادة ؛ فكيف ينسبونه إلى الكذب ، ولم يعهدوا ذلك منه ، وكذلك موسى ـ عليهالسلام ـ كان نشأ بين ظهراني (٢) أولئك الذين أرسل إليهم ، وكانوا عرفوه بالصيانة والعدالة ، وعرفوا أنه يصلح للشهادة.
ومنهم من يقول بأنهم ازدروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واستصغروه ؛ اعتبارا بما شهدوا من حاله عند الصغر ؛ إذ كان نشوؤه فيهم ؛ وكذلك ازدروا بموسى ـ عليهالسلام ـ حين (٣) بعث إليهم ، واستخفوا به استخفافهم به في حال الصغر ، حتى قالوا : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [الشعراء : ١٨] ، فنزل بهم ما نزل بأولئك من الاستئصال بتكذيبهم إياه ، وازدرائهم به ، فذكرهم حال مكذبي موسى ـ عليهالسلام ـ وما نزل بهم من مقت الله تعالى بتكذيبهم وازدرائهم به ليعتبروا به ؛ فينقلعوا عن الازدراء ؛ لئلا يحل بهم ما حل بأولئك.
ولئلا يغتروا بقواهم ، وكثرة عددهم وأموالهم ؛ فإن مكذبي موسى ـ عليهالسلام ـ كانوا أكثر أموالا وأولادا وأعدادا ، وأشد بطشا ؛ فلم يغنهم ذلك من الله ـ تعالى ـ شيئا.
وجائز أن يكون خص ذكر موسى ـ عليهالسلام ـ وفرعون ونبأهما ؛ لأن خبره كان منتشرا فيما بين أهل مكة ؛ لأنهم كانوا جيرة اليهود الذين عندهم نبأ موسى ـ عليهالسلام ـ وفرعون ، فكانوا يخبرونهم بما حل بفرعون وقومه بتكذيبهم الرسول ؛ فذكرهم نبأ موسى ـ عليهالسلام ـ لينتهوا عما هم عليه من التكذيب.
ولأن لله تعالى أن يحتج عليهم بآحاد الحجج ، وله أن يحتج عليهم بجملتها ؛ إذ في ذلك قطع الشبه ، وإزاحة العذر.
أو ذكرهم نبأ موسى ـ عليهالسلام ـ وقومه ؛ لأن العهد بهم (٤) كان أقرب ؛ إذ قومه كانوا آخر قوم استؤصلوا في الدنيا.
وقوله : (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) ، أي : شديدا : ومنه : المطر الشديد
__________________
(١) في ب : نشوءه.
(٢) في أ : ظهر.
(٣) في أ : حيث.
(٤) في ب : به.