في حق الفضول من الشهوات ؛ فيكون في مثالها دفع الحاجة ، والوصول إلى المنفعة ، ومعلوم أنهم (١) إنما طمعوا في الشفاعة ؛ لما يحصل لهم بها من المنفعة وإنما تحصل لهم بها المنفعة إذا وقعت (٢) إليها الحاجة ، وأهل الكبائر هم الذين تمسهم الحاجة إليها ، فأما الذين تابوا وأنابوا فقد استغنوا عن الشفاعة ؛ لذلك وجب القول بتحقيق الشفاعة في أهل الكبائر.
وأما استدلالهم بما ذكروا من أمر الشهود ، فليس بمحكم من القول ؛ لأن المرء إنما يذكر أخاه بالجميل ، ويظهر ما اشتمل عليه من خلال الخير لجهل الملوك بحاله فيما هو عليه من جميل الخصال ، ومحمود الفعال ؛ ألا ترى أن الملك إذا كان عالما بحاله ، لم يقدم الإنسان على نشر الجميل منه ؛ فثبت أن الذي يحوجه (٣) إلى الثناء عليه عند الملوك جهل الملوك بحاله ؛ ولا يجوز أن يكون الله تعالى يخفى عليه حال أحد ، وما هو عليه من ظواهر أموره وبواطنها حتى يحتاج إلى معرف يعرفه ؛ فبطل أن تكون الشفاعة للوجه الذي ذكروه ، وثبت (٤) أنها للوجه الذي ذكرناه.
ثم العفو والصفح عن إحلال العقوبة بمن هموا أن يعاقبوه بجريمة سبقت منه ، ثم الشفاعة فيما بين الخلق أمر معهود أنها تكون عند زلات يستوجب بها العقوبة والمقت ؛ فيعفى عن مرتكبها بشفاعة الأخيار وأهل الرضاء ؛ [فلا ينكر أن يكون الله تعالى يعفو عمن استوجب العقاب بشفاعة الأخيار وأهل الرضاء](٥) والأبرار ، والله الموفق.
قوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)(٥٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) :
جائز أن يكون تأويله : ما لهم معرضين عن ذكر ما لهم ، و [ما](٦) عليهم ، وعما إليه مآلهم ومنقلبهم ؛ وذلك يكون في الرسول وفي القرآن ؛ لأن كل واحد منهما يذكر للمرء ما له وعليه ، والله أعلم.
وجائز أن يكون تأويله : فما لهم عما به يشرف قدرهم ، ويصيرون به مذكورين في
__________________
(١) في ب : بأنهم.
(٢) في أ : وقفت.
(٣) في أ : يخرجه.
(٤) في ب : فثبت.
(٥) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٦) سقط في ب.