وقوله : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) يعني : البعث ، وأضاف ذلك إلى نفسه ؛ لأنه هو النهاية (١) والمقصود في خلقهم ، ولما لم يفهم أحد من قوله : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) معنى الانتقال والتحول من مكان إلى مكان من حيث إنه يضاف إلى الله تعالى ؛ لأن هذا فعل يكون باثنين ، فإن من صار إلى شيء صار ذلك إليه ، مثل الملاقاة والإتيان ونحو ذلك ، فلما لم يفهم منه الانتقال لم ينبغ أن يفهم من قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] معنى الانتقال ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ).
في إخباره عن علمه بذلك كله إيجاب المراقبة والتيقظ والتبصر ، والمحافظة على ما أمره الله تعالى ونهاه ، وفي هذا إخبار أن الله تعالى مطلع على ما يضمرون ، محص عليكم جميع ما تظهرون ، فاحذروا أن ترتكبوا ما فيه سخطه في الحالين جميعا ، والله المستعان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِذاتِ الصُّدُورِ) قال أهل التفسير : أي : بما في الصدور.
ويحتمل أن يكون المراد منه بالأنفس التي لها الصدور ، وكل من كان ذا فكرة وتدبير فإنه يسمى : ذات الصدور ، ومعناه : أن التدبير إنما يصدر عن ذلك الموضع ، ويرجع إليه ، وكل بنو آدم خصوا بهذا المعنى ؛ فلذلك ذكر هذا فيهم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ).
فتأويله عندنا ـ والله أعلم ـ أي : قد أتاكم نبأ الذين كفروا من قبل ، وما ذا نزل بهم حين كفروا وعاندوا ، ومعنى ذلك أن الله تعالى [قد](٢) حذرهم بما يكون في الآخرة من ألوان العذاب ، فلم يتعظوا ، لما لم يكونوا يؤمنون (٣) بالبعث ، فلما لم ينجع (٤) فيهم
__________________
(١) في أ : الهداية.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : مؤمنين.
(٤) في أ : ينجح.