ويحتمل أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (عَلَيْنا بَيانَهُ) أي : بيان ما هو بحق الكنايات (١) والنتائج منها ، ما هو بحق الأصول والفروع ، وما هو بحق المقصود ، فبين لرسوله ـ عليهالسلام ـ معنى الأصول والكنايات ؛ ليتعرف به فروعها ونتائجها ، ويبين لمن بعده ممن جاهد في الله حق جهاده ، ويهديه لذلك ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩].
أو يكون قوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) في أن نحفظك ونعصمك من الناس ؛ لتمكن من تبليغ ما أنزل إليك إلى الخلق ، وتبين لهم ، والله أعلم.
ووجه آخر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث إلى كل من كان شاهدا من الخلائق إلى يوم التناد ، ثم لم يمكن من تبليغ الرسالة إلى كل أحد مما ذكرنا بنفسه ؛ فكأنه ضمن عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم التبليغ إلى الخلائق كافة بما شاء ـ جل جلاله ـ بتسخير الرواة والحفاظ والعلماء ليبلغوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما أدى إليهم.
أو يكون قوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) ، أي : بيان المحق من المبطل ، والولي من العدو ، وذلك يكون يوم القيامة ؛ فيعرف الأولياء بما يجنون من الكرامات ، ويبين للأعداء والمبطلين ما (٢) يحل بهم من الحساب وأنواع العذاب.
قوله تعالى : (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ)(٢٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ)
فقوله : (كَلَّا) ردع ومنع عما سبق منهم.
وفي قوله : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) إبانة أن الذي حملهم على ما هم فيه من الحسبان : أن العظام لا تجمع ، وأن البعث ليس بشيء ـ حبهم العاجلة ، وذلك أنهم أولعوا بالعاجلة ، وأحبوها حبا أنساهم عن الإيمان بالآخرة ، أو عن النظر في الحجج والبراهين التي لو أمعنوا النظر فيها أدتهم إلى القول بالبعث ، وحتى صاروا إلى ألا يرجوا الآخرة كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ..). الآية [يونس : ٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) :
__________________
(١) في أ : الكتابات.
(٢) في ب : بما.