ثم منهم من يختار الشكر له ، ومنهم من يختار الكفران له ، ثم بين ما أعد للكفور منهم ، وما أعد للشكور ، وهو ما قال : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً).
ثم قوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) إن كان المراد منه الطريق ؛ فكأنه قال : إنا بينا كلا الطريقين (١) ، فإن سلك طريق كذا واختاره يكون شاكرا ، وإن سلك طريق كذا واختاره يكون كفورا.
ثم بين لكل طريق سلكه جزاء وثوابا.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) :
ففيه إنباء أن أيديهم تغل ، ويشدون بالسلاسل ، فلا يتهيأ لهم أن يقوا العذاب عن وجههم (٢).
ثم قرئ سلسلا ؛ لأنها غير منصرفة ، وقرئ سلاسل وصرفوه ؛ بناء على أن الأسماء كلها منصرفة إلا نوعا واحدا.
وقال الزجاج : السلاسل لا تنصرف ؛ لأنه لا فعل لها ، لكن صرفها هاهنا لأنها من رءوس الآيات.
وقيل : لأنه جعله رأس الآية.
قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٢٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) :
فمنهم من ذكر أن الكافور شيء أعده الله تعالى لأهل كرامته ، لم يطلع عباده على ذلك في الدنيا.
__________________
(١) في ب : الطريق.
(٢) في ب : أوجههم.