وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) :
ليس أنه لا يقبل العذر منهم إذا أتوا به ، ولكن معناه : أنه لا عذر لهم ؛ ليقبل منهم ، وهو كقوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] ، معناه : أنه لا شفيع لهم ، لا أنهم إذا أتوا بشفعاء لم يشفع لهم ، وإذا لم يكن لهم عذر ، فهم لا يعتذرون بعذر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) فيه إخبار أنه لا يخص بالبعث فريقا دون فريق ، بل يجمع الخلائق كلهم ، ثم يفصل بينهم ؛ فينزل كلا منزلته التي استوجبها (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى : ٧].
وقيل : هو يوم الحكم ؛ فجائز أن يكون سمي به ؛ لما يختصم فيه أهل المذاهب ؛ فيحكم فيه بين المحق وبين الذي كان على الباطل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) :
جائز أن يكون يقال لهم هذا في الآخرة : أن كيدوا حتى تنجوا أنفسكم مما نزل بكم ؛ أي : إن كانت لكم حيل تحتالون بها فافعلوا ، وهو حرف التقريع والتوبيخ على نفي نفاذ المكر والحيلة ، ليس على ما عليه أمر الدنيا : أنهم يحتالون ويمكرون بأنواع الخداع والتمويهات.
ويحتمل أن قيل لهم هذا في الدنيا ، أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يعارضهم بهذا فيقول لهم : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) في قتلي أو (١) إخراجي من بين أظهركم ، كما قال هود ـ عليهالسلام ـ لقومه : (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) [هود : ٥٥] ، فعجزهم عن ذلك يظهر لهم آية رسالته ، وحجة نبوته ؛ إذ خوف الأعداء من غير أعوان كانوا له ولا جنود مجندة ؛ بل كان وحيدا فريدا بين ظهراني قوم مشركين ، ليست همتهم إلا إطفاء هذا النور.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(٤٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ) ، فالمتقون : هم الذين اتقوا عذاب الله ، قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [آل عمران : ١٣١] ، وقال في آية أخرى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦] وقال : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) [البقرة : ٢٠١] ، فهذا هو التقوى.
__________________
(١) في ب : و.