وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) ، أي : فواكه أيضا ؛ فأخبر أن لهم فيها ما تتلذذ به الأبصار ، وتتمتع (١) به ، وفيها ما تشتهى أنفسهم ، وفيها ما يدفع عن أنفسهم (٢) الأذى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) لا تبعة عليكم (٣) من جهة السؤال ، ولا تنغيص ؛ أي : لا يؤذيهم ما يأكلون ويشربون ، فالهنيء الذي لا تبعة على صاحبه ، ولا تنغيص فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ، فسمى المتقي : محسنا ؛ لأنه بدأ بذكر المتقين ، وذكر ما أعد لهم ، ثم أخبر أنهم جوزوا بإحسانهم ؛ فيكون فيه دلالة على أن الاتقاء متى ذكر على الانفراد يقتضي إتيان المحاسن والاتقاء عن المهالك.
قوله تعالى : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(٥٠)
ثم رجع إلى المكذبين ، فقال (٤) : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) ، فهذا في الظاهر أمر بالأكل والشرب ، وهو في الحقيقة وعيد ، وهو أن تمتعكم بالأكل وغيره الذي يمنعكم عن النظر في الآيات قليل ، عن سريع تفارقونه ، وتصيرون إلى عذاب الله تعالى.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) قد ذكرنا أن المجرم هو الوثاب في المعاصي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) ، أي : إذا قال لهم الرسول صلىاللهعليهوسلم : اركعوا ؛ أي : اخضعوا ، واستسلموا لله ـ تعالى ـ امتنعوا عن ذلك ؛ استكبارا منهم على الرسل ، وإعراضا عن النظر في حجج الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) أي : فبأي حديث يصدقون بعد حديث الله ـ تعالى ـ الذي لا حديث أصدق منه ، وأقوى في الدلالة.
وجائز أن يكون هذا على تسفيه عقولهم وأحلامهم ، وهو أنهم يمتنعون عن التصديق بحديث الله تعالى ؛ إذ لا حديث أصدق منه ، ثم يصدقون الأحاديث الكاذبة والأباطيل المزخرفة ، والله أعلم [بالصواب ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين](٥).
* * *
__________________
(١) في ب : فتتمتع.
(٢) في أ : بعضهم.
(٣) في ب : بكم.
(٤) في ب : فقالوا.
(٥) سقط في ب.