قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
قال بعضهم : (بِإِذْنِ اللهِ) يعني : بأمر الله ، وهو قول الحسن.
وقال بعضهم : (بِإِذْنِ اللهِ) يعني : بعلم الله.
وقال بعضهم : (بِإِذْنِ اللهِ) يعني : بمشيئة الله.
ولكل من ذلك وجه :
فأما من قال : بأمر الله ، فمعناه وحجته : أن هذه المصائب كلها عقوبات ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠].
ومعلوم أن جزاء ما كسبت يده عقوبة له ، والتعذيب والعقوبة إنما يكون بأمر الله ؛ فلذلك قال : معنى قوله : (بِإِذْنِ اللهِ) أي : بأمر الله.
لكن عندنا هذا يرجع إلى ما يصيبهم من أيدي الخلق ، كقوله تعالى : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) [التوبة : ١٤] ، وقوله : (هَلْ تَرَبَّصُونَ ...). إلى قوله : (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا) [التوبة : ٥٢] ونحو ذلك ، وهذه المصائب لا تحتمل [تأويلا للأمر](١) من الله تعالى.
ومن قال : بعلم الله ، فوجه ذلك : أن هذه المصائب فيها إهلاك العبيد ، وفي الشاهد أنه لا يحب أحدا أن يعلم بما فيه هلاك عبيده وخدمه ، فأخبر ـ عزوجل ـ أن هذه المصائب وإن كان فيها هلاك عبيده فإنما يكون ذلك بعلمه ، وأن هلاكهم لا يضره ، ولا ينقص من ملكه ؛ لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أنشأ ما أنشأ من الخلائق لحاجة لهم ، ولمنفعة ترجع إليهم ومضرة تلحقهم ؛ فحلول ما يحل بهم من المصائب لا يضره ولا ينفعه [لذلك كان علمها ما ذكر](٢).
ومن قال : بمشيئة الله وإرادته فوجه ذلك : أن الله تعالى وعد وأوعد ، ولا محالة يريد من عبيده ما يكون بوعيده عادلا وأن يضع وعده موضعه ، وإذا كان كذلك ثبت أنه يريد من كل أحد ما يعلم أنه يكون منه ؛ لأنه إذا خلق النار ، وأوعد عليها ، فلو أراد من كل منهم الطاعة ، لكان إذا أحرق بالنار أحرق من أراد منه الطاعة فدخل في حد الجور ، ولو كان
__________________
(١) في أ : الأمر.
(٢) في ب : لذلك على ما ذكر.