سورة عبس ، [وهي مكية](١)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ)(١٦)
قوله ـ عزوجل ـ : (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) ذكر الحسن أن تعبس الوجه والتولي كانا بنفس المجيء على ظاهر الآية ؛ فإنه ذكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان عنده من عظماء المشركين [قوم] يعظهم ويدعوهم إلى الإسلام ، فلما جاءه ابن أم مكتوم يسأله ، أعرض عنه ؛ لمكان أولئك القوم ، وعبس وجهه ؛ رجاء إسلامهم.
وذكر غيره من أهل التفسير : أنه عبس وتولى ؛ لما سأله ابن أم مكتوم عما فيه رشده وهداه ؛ فعبس وجهه بقطعه الحديث عليه.
ثم هذا التعبس منه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان في أمر لو التأم ، ثم وزن ذلك بخيرات أهل الأرض ، لرجح على خيراتهم ومحاسنهم ؛ لأنه ذكر أنه كان مقبلا على رؤساء الكفرة يعظهم ويحرضهم على الإسلام ؛ رجاء أن يسلموا ؛ فيكون في إسلامهم رجاء إسلام كثير من القوم ؛ لأنهم كانوا من علية القوم وعظمائهم ؛ فكان في إسلامهم رجاء إسلام من يتبعهم من قومهم ؛ فيستوجب بإسلامهم من جزيل الثواب وعظم المنزلة ما لا يبلغه آخر بجميع محاسنه ؛ فكان في سؤاله إياه منع ما قصد إليه من إحراز جزيل الثواب وكريم الخصال ، وإذا كان هكذا فتعبس (٢) الوجه في مثل هذا الحال أمر سهل لا يستبعد ، ولا يستنكر.
والثاني : أن تعبس (٣) الوجه على الأعمى ، والإعراض عنه لا يظهر للأعمى ؛ لأنه لا يراه ؛ فلا يعده جفاء ، وكان في إقباله على أولئك القوم وحسن صحبته إياهم رجاء الإسلام منهم ؛ إذ إقباله وحسن صحبته يظهر لهم ، وفي الإعراض عنهم ذهاب ذلك الرجاء وإبداء الجفاء منه إياهم ، ومن آثر الوجه الذي فيه اتقاء الجفاء والدعاء من الشرك (٤) إلى الهدى
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : فتعبيس.
(٣) في ب : تعبيس.
(٤) ثبت في حاشية ب : لعله الضلاب.