فيه بيان : أن معتمد المؤمنين على الله تعالى ، وإن قلت أعوانهم وأنصارهم ، وأنهم ليسوا كالمنافقين والكفرة ؛ حيث تركوا اتباع المؤمنين لما رأوا من قلة الأتباع والأعوان لهم وأخبر أن المؤمنين بخلاف تلك الصفة ، وأن ثقتهم واعتمادهم على الله تعالى ليس على كثرة الأنصار ، والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).
يحتمل أن يكون على تحقيق العداوة ، ويحتمل أن يكون على فعل العداوة ؛ فإن كان على تحقيق العداوة فهو يحتمل وجهين :
أحدهما : عداوة ظاهرة ، وهي عداوة الكفر والشرك ؛ وذلك أنه كان في ذلك الزمان يسلم الرجل ويبقى ولده وزوجته على الكفر ، فعلمهم الله تعالى صحبة الأولاد والزوجات : أنه إذا دعوكم إلى الكفر والشرك ، فاحذروهم أن تطيعوهم وأن تعفوا عن عقوبتهم على ما دعوكم إليه ، وتغفروا ؛ فإن الله غفور رحيم.
ثم ذكر الله ـ عزوجل ـ في صحبة الأولاد والزوجات إذا كانوا كفارا ـ العفو والصفح ، ولم يذكر ذلك في الوالدين المشركين ، ولكنه أمره أن يصاحبهما في الدنيا معروفا لقوله : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) [لقمان : ١٥] ، فوجه ذلك ـ عندنا والله أعلم ـ : أن يجري سلطانه وغلبته وقهره على زوجته وولده ، فأمره هاهنا بالعفو والصفح ، وأما في الوالدين فليس يجري [له عليهما](١) السلطان والقهر والغلبة ؛ فلا معنى [للعفو والصفح](٢) عنهما ، لكنه أمر [أن يصاحبهما](٣) في الدنيا معروفا وألا يطيعهما فيما أمراه من المنكر ، والله أعلم.
ويحتمل أن تكون هذه العداوة عداوة مستورة ، وهي عداوة النفاق ، فكأنه قال : إن من أزواجكم وأولادكم عدوّا لكم وأنتم لا تشعرون ، وإن تعفوا عن جنايتهم ولم تؤذوهم
__________________
(١) في أ : عليهم.
(٢) في ب : للصفح والعفو.
(٣) في أ : بمصاحبتهما.