(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) [التحريم : ١] ، فثبت أنه ليس فيه نهي.
وفيه أن الكافر وإن كان مبجلا معظما في قومه ، فليس على المؤمنين أن يعظموه ويبجلوه ، بل يسترذل ويستخف به ، وأن المسلم ينبغي أن يعظم ويكرم ، وإن كان حقيرا في أعين الخلق.
وفيه آية رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ودلالة نبوته ، وأنه لم يختلق هذا الكتاب من عند نفسه ؛ لأن من يتعاطى (١) فعلا حقه الستر ، فهو يستره على نفسه ، ولا يهتك عليها الستر ؛ لئلا يذم عليه ، فلو لم يكن مأمورا بتبليغ الرسالة لكان يجتهد في الستر على نفسه ، ولا يبديه للخلائق ، ولكنه كان رسولا لم يجد من تبليغه إلى الخلق بدّا ، فبلغه كما أمر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) ، «لعل» من الله ـ تعالى ـ واجب.
وقوله : (يَزَّكَّى) ، أي : يتزكى (٢) بعمله ونيته وقوله.
وفي هذه الآية قضاء بإبطال قول من زعم أن جميع ما في القرآن : (وَما يُدْرِيكَ) فهو مما لم يدره ؛ يروى ذلك عن سفيان بن عيينة ـ رضي الله عنه ـ وغيره ؛ لأنه قد أدراه هاهنا بقوله : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) و «لعل» من الله تعالى واجب ، وإذا جعلته واجبا فقد زكاه ، وإذا زكاه فقد علمه النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون يتذكر بتذكيرك إياه ؛ فينتفع بتذكيرك.
والثاني : أن يتذكر فيما ذكرته من العواقب وما يحق (٣) عليه في حاله ؛ فينتفع به ؛ فتكون المنفعة في التأويل الأول بالتذكر (٤) بنفس تذكير الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وفي التأويل الثاني بتذكره فيما ذكره النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) ، أي : بما اختار هو عما جئت به من الدين.
أو استغنى بالذي زين له (٥) الشيطان عما جئت به.
أو يكون على الغناء المعروف ؛ لأن الذين أقبل عليهم بوجهه كانوا أهل ثروة وغناء ، فأقبل عليهم ؛ رجاء أن يسلموا فيتبعهم أتباعهم في الإسلام ؛ إذ كانوا من رؤسائهم وأجلتهم.
__________________
(١) في ب : تعاطى.
(٢) في ب : تزكى.
(٣) في أ : وما نحن.
(٤) في ب : بالتذكير.
(٥) في ب : به.